اخر الاخبار

من حرب الرسوم إلى سباق التكنولوجيا… ملامح الحرب الباردة الجديدة

أمد/ حين اندلعت أولى شرارات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين عبر موجات من الرسوم الجمركية المتبادلة، بدا للبعض أن الأمر لا يتجاوز حدود المناورات الاقتصادية المعتادة بين قوتين عالميتين. إلا أن مجريات الأحداث سرعان ما كشفت أن ما يجري ليس مجرد نزاع تجاري، بل إعادة تشكيل للنظام العالمي برمّته، مع ملامح واضحة لحرب باردة جديدة، تختلف أدواتها عن الماضي ولكنها لا تقل خطورة.

الرسوم الجمركية لم تكن سوى غطاء لمواجهة أعمق، هدفها كبح الصعود الصيني الذي يهدد عقودًا من الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي. ومع تقدم السنوات، اتضح أن جوهر الصراع يتمحور حول التكنولوجيا: الذكاء الاصطناعي، الحوسبة الكمية، أشباه الموصلات، والجيل الخامس، هي الأسلحة الجديدة في هذا النزاع المفتوح.

الولايات المتحدة، مدركة أن من يملك مفاتيح التكنولوجيا يملك مفاتيح المستقبل، شرعت في فرض قيود صارمة على تصدير التقنيات المتقدمة للصين، واستهدفت الشركات الصينية الكبرى بالمنع والمقاطعة والحصار التكنولوجي. لم يكن الهدف فقط حماية الابتكار الأمريكي، بل إبطاء الزحف الصيني نحو قيادة اقتصاد المستقبل.

في المقابل، استجابت بكين برؤية استراتيجية بعيدة المدى: تقليل الاعتماد على التكنولوجيا الغربية، وتسريع عجلة التطوير الداخلي عبر برامج ضخمة كـ”صنع في الصين 2025″ و”رؤية 2035 للابتكار التكنولوجي”. بكين باتت تدرك أن المعركة القادمة لن تُحسم في أسواق التجارة التقليدية، بل في المختبرات والمراكز البحثية والمصانع الذكية.

ما يميز هذه الحرب الباردة الجديدة عن سابقاتها هو تشابك المصالح الاقتصادية العالمية. بخلاف الصراع الأمريكي السوفيتي، لا تستطيع الولايات المتحدة أو حلفاؤها اليوم بسهولة فصل أنفسهم عن الصين، القوة التي أصبحت المحرك الأول لسلاسل التوريد العالمية والأسواق الناشئة.

ومع ذلك، تتسع رقعة المواجهة إلى مجالات أخرى: من تايوان إلى بحر الصين الجنوبي، من البنية التحتية الرقمية إلى السباق على معايير التكنولوجيا العالمية، في ظل صراع غير معلن حول من سيرسم قواعد النظام الدولي للقرن الحادي والعشرين.

العالم يقف اليوم أمام خيارين: إما إدارة هذا التنافس من خلال آليات توازن ذكية، تحافظ على المصالح الحيوية للجميع، أو السقوط في هاوية سباق تسلح اقتصادي وتكنولوجي قد تكون نتائجه مدمرة للاستقرار العالمي.

إن قراءة المشهد الحالي تدفعنا للقول بأن الحرب الباردة الجديدة قد لا تكون بنفس الصورة التقليدية القديمة، لكنها لا تقل خطورة. والمستقبل مرهون بمدى قدرة اللاعبين الدوليين على ضبط هذا الصراع قبل أن يتحول إلى مواجهة شاملة تهدد بانقسام العالم إلى معسكرات متناحرة مجددًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *