اخبار السودان

أزمة صامتة بين القاهرة ومقديشو

كشفت مصادر مطلعة على ملف العلاقات المصرية الصومالية لـ”العربي الجديد”، أن أزمة مكتومة بدأت تطفو على السطح بين القاهرة ومقديشو، على خلفية تعثر تنفيذ بروتوكول التعاون العسكري الذي وقعه البلدان في أغسطس/آب 2024. وتأتي هذه الأزمة في ظل ما وصفته المصادر بـ”تغيّر دراماتيكي” في توجهات القيادة الصومالية، انعكس بوضوح في تقارب غير مسبوق مع إثيوبيا على حساب التفاهمات الاستراتيجية مع القاهرة. وبحسب المعلومات، فإن مصر أبدت انزعاجاً متزايداً مما تعتبره “تحولاً مفاجئاً بمقدار 180 درجة” في نهج الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، والذي كان قبل أشهر فقط يقدّم نفسه شريكاً وثيقاً للقاهرة في مواجهة ما تُعدّه مصر تهديدات إقليمية، لا سيما في ما يتعلق بالتغلغل الإثيوبي في القرن الأفريقي والملف الشائك لسد النهضة.

صدمة سياسية في القاهرة

وأكدت المصادر أن هذا التحوّل في الموقف الصومالي مثّل “صدمة سياسية” لصنّاع القرار في مصر، خصوصاً أنه تزامن مع تزايد مؤشرات التنسيق بين مقديشو وأديس أبابا، ما دفع القاهرة إلى إعادة تقييم جدوى المضي قدماً في تنفيذ البروتوكول العسكري، الذي كان من المقرر أن يشمل نشر أكثر من ألف عنصر من القوات الخاصة المصرية في مناطق مثل عدن يبال وعدعيل في إقليم شبيلي الوسطى، للمشاركة في مواجهة حركة الشباب. وأشارت المصادر إلى أن القاهرة تشعر بما وصفته بـ”الإحباط البالغ” من أداء الرئيس الصومالي، والذي ترى أنه لم يُظهر التزاماً جدياً بالشراكة الأمنية، ولم يتخذ خطوات عملية لضمان بيئة مناسبة لتنفيذ الاتفاق.

مصادر مطلعة: “إحباط بالغ” في مصر من أداء الرئيس الصومالي  

وأضافت: “هناك اعتقاد متزايد في دوائر صنع القرار المصري بأن الرئيس حسن شيخ محمود لم يعد يُنظر إليه شريكاً موثوقاً، وبالتالي فإن الخطة المتعلقة بنشر القوات المصرية قد تم تجميدها فعلياً”. في السياق ذاته، أوضحت المصادر أن هذا التجميد لا يُعلن رسمياً حتى الآن، لكنه يندرج ضمن نهج حذر تتبعه القاهرة في التعامل مع ما تعتبره تقلبات السياسة الصومالية، والتي تُهدد، بحسب تعبير أحد المصادر، “بإهدار رأس مال استراتيجي استثمرت فيه مصر الكثير خلال السنوات الماضية، سواء على صعيد الدعم العسكري أو التأهيل الدبلوماسي والأمني للكوادر الصومالية”. وشارك رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، نيابة عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، في الجلسة الافتتاحية للقمة غير العادية للدول المساهمة بقوات في بعثة الاتحاد الأفريقي للدعم والاستقرار في الصومال، التي عقدت الجمعة الماضي، في مدينة عنتيبي الأوغندية. وقد عُد غياب السيسي عن هذه القمة، رغم أهمية ملف الصومال بالنسبة للقاهرة، مؤشراً سياسياً على مدى تراجع حماس مصر تجاه الوضع الصومالي الراهن.

وخلال كلمته أمام القمة، حرص مدبولي على تأكيد دعم مصر الثابت للوحدة الوطنية في الصومال، لكنه لم يُخف إحباط القاهرة مما وصفه بـ”حالة من عدم الوضوح في ترتيب الأولويات” التي شهدها عام 2024، وأدت إلى إضعاف المكاسب التي حققها الجيش الصومالي في مواجهة الإرهاب. ودعا إلى تجديد الالتزام الدولي بدعم الاستقرار في الصومال، مشدداً على ضرورة تمكين الجيش الوطني الصومالي من الحفاظ على مكاسبه. وبينما صدرت عن القمة دعوات لدعم الحكومة الصومالية في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، فإن القاهرة، بحسب المصادر، باتت أقل اندفاعاً في تقديم دعم عسكري مباشر، في ظل غياب ضمانات جدية من جانب مقديشو بشأن احترام التفاهمات الثنائية.

أحمد قيسوود: التقارب الذي طرأ أخيراً بين الحكومة الصومالية وأديس أبابا أثار شكوكاً لدى الحكومة المصرية

في السياق، قال اللواء محمد الهمشري، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، لـ”العربي الجديد”، إن “التمثيل الدولي في قمة أوغندا لم يكن بمستوى يحتم مشاركة السيسي شخصياً”، موضحاً أن “الحضور اقتصر تقريباً على الرئيس الأوغندي ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي ورئيس إيغاد، بينما بقية الدول اكتفت بإرسال ممثلين عنها من نواب الرؤساء أو وزراء الدفاع”. وأضاف الهمشري أن “من العوامل الأخرى التي قللت من أهمية المشاركة على أعلى مستوى، أن أوغندا، ومعها بعض دول المنطقة، لا تزال تتبنى موقفاً غير إيجابي تجاه الاتفاق الإطاري الخاص بدول حوض النيل، وهو ملف تضعه مصر ضمن شروطها غير المباشرة عند تقييم جدوى المشاركة في مثل هذه الفعاليات”.

الوضع معقّد في الصومال

وأشار إلى أن “الوضع في الصومال حالياً معقّد للغاية، واللاعبون الدوليون الحقيقيون المؤثرون في الساحة الصومالية لم يكونوا حاضرين بقوة في قمة أوغندا”، مشدداً على أن “الأطراف الفاعلة في الملف الصومالي حالياً هي تركيا، وإثيوبيا التي تتحرك بالوكالة عن الولايات المتحدة وإسرائيل، بالإضافة إلى بعض الدول العربية”. من جهته، قال الكاتب الصومالي أحمد قيسوود، لـ”العربي الجديد”، إن “التقارب الذي طرأ أخيراً بين الحكومة الصومالية وأديس أبابا أثار شكوكاً لدى الحكومة المصرية”، مشيراً إلى أن “وصول نحو 300 جندي تركي إلى مقديشو قبل أيام، للمساهمة في حفظ الأمن، أضاف بُعداً آخر زاد من تعقيد المشهد”.

وأضاف قيسوود أن “هذه التطورات مجتمعة قد تكون دفعت القاهرة إلى إعادة النظر في مقاربتها للملف الصومالي”، مذكّراً بأن “مصر قدمت في بداية العام الحالي معدات وأسلحة لدعم الحكومة الفيدرالية الصومالية، ما يعكس وجود تعاون، لكنه في المقابل يسلط الضوء على حجم القلق المصري من تحولات السياسة الصومالية الأخيرة، ومن مدى موثوقية الشراكة مع الرئيس الحالي حسن شيخ محمود”. وتابع قائلاً: “حتى التقارب الثلاثي الذي كان قد نشأ بين مصر والصومال وإريتريا، بدأ يتأثر، إذ عبّرت إريتريا عن تحفظها إزاء الخطوات الصومالية نحو إثيوبيا، واعتبرتها تصرفات متسرعة وفي غير أوانها”.

 

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *