الطاقة النظيفة في المغرب: رهان مستقبلي وفرص واعدة في الفلاحة

يشهد العالم تحولًا متسارعًا نحو الطاقات النظيفة كبديل مستدام يحد من التغير المناخي والتلوث البيئي في ظل ارتفاع إكراهات التغيرات المناخية واتساع ثقب الأوزون وتفاقم مخاطر الكوارث الطبيعية، بسبب تأثيرات انبعاثات الغازات الدفيئة وما يصاحبها من احتباس حراري وارتفاع لدرجة حرارة الأرض.
هذا الوعي البيئي العالمي بالمخاطر الناجمة عن عدة عوامل من أهمها استخدام الوقود الأحفوري مصدرا للطاقة، أدى إلى وضع استراتيجيات دولية تهدف إلى تحقيق الانتقال الطاقي نحو مصادر متجددة ومستدامة، ولعل اتفاق باريس للمناخ لعام 2015 من بين أبرز المحطات الرئيسية في مسار الحد من التغيرات المناخية، وهو الاتفاق الذي يلزم موقعيه بالعمل على خفض الانبعاثات الكربونية، وتعزيز استخدام الطاقات المتجددة، وتحقيق الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن الحالي، وذلك عبر تعزيز الاستثمارات في مجالات الطاقة النظيفة، وتقديم الدعم للدول النامية لاعتماد هذه المصادر كبديل مستدام، إضافة إلى تشجيع الابتكارات التكنولوجية التي من شأنها تسريع عملية التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون.
وتوقفت اتفاقية باريس التي مازالت إلى اليوم المرجع الرئيسي للجميع دورات مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف من أجل المناخ، والتي تنعقد سنويا، على أهمية دعم الدول النامية من أجل تبني أنشطة فلاحية مستدامة تعتمد على أساسا مصادر طاقة نظيفة، وذلك بهدف تقليل البصمة الكربونية للقطاع الفلاحي وضمان الأمن الغذائي، إلى جانب استخدام تقنيات الري الحديثة التي تعتمد على الطاقة المتجددة، ناهيك عن الحد من إزالة الغابات من أجل الزراعة بغية الإسهام في حماية التوازن البيئي وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة.
ولقد أكدت توصيات مؤتمر الأطراف للأمم المتحدة كوب 22 المنعقد بمراكش عام 2016، على كل بنود اتفاقية باريس بالرغم من المعارضة الشديدة للاتفاقية، من طرف الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب الذي انتخب بالتزامن مع انعقاد المؤتمر، وتمسكت الأطراف بمواصلة العمل باتفاقية باريس، كما شهد المؤتمر الذي احتضنه المغرب إعلان مبادرات عديدة لدعم الزراعة المستدامة وتعزيز التمويل المناخي الموجه لمشاريع الطاقة المتجددة في القطاع الفلاحي، وهو الأمر الذي كان المغرب سباقا إليه وسبق أن أرسى ركائزه سنوات قبل ذلك ضمن توجهه إلى توسيع اعتماده على الطاقات النظيفة في شتى المجالات.
ريادة عززها مؤتمر “كوب22”
ومازال المغرب يوسع اعتماده على الطاقات النظيفة والمتجددة، فبعد الاعتماد على الطاقة المائية الناجمة عن سياسة السدود التي لعبت دروا مهما في المجال الطاقي وفي تدبير الثروة المائية، إضافة إلى الطاقة الريحية، شرع مع بداية القرن الحالي في إطلاق مشاريع الطاقة الشمسية ثم بعدها توجه إلى التأسيس لإنتاج الهيدروجين الأخضر، مما جعل المملكة المغربية من بين الدول الرائدة في إنتاج الطاقة النظيفة.
وبعد احتضانه لـ”كوب22″ في مراكش عام 2016، واصل السير على نفس النهج، فكثف جهوده لتعزيز الطاقة النظيفة وتقليل الانبعاثات الكربونية من خلال تبني سياسات ومبادرات طموحة، تتجسد أهم معالمها في الاستراتيجية الوطنية الطاقية 2030، والتي تهدف إلى رفع حصة الطاقات المتجددة إلى أكثر من 52% من إجمالي المزيج الطاقي، وذلك عبر زيادة الاستثمار في مشاريع الطاقة الشمسية والريحية والمائية.
وتنص الاستراتيجية المذكورة أيضا على تطوير مشاريع طاقة متجددة جديدة، وتوسيع شبكات الكهرباء القروية بالاعتماد على الطاقات المتجددة، ثم تشجيع الفلاحين على استخدام الطاقات المتجددة خصوصا في مجال السقي والري التي مازال يعتمد بالأساس على غاز البوتان ونسبا على المحروقات.
وتوجت السياسات الوطنية في مجال الطاقة النظيفة إلى توجه المغرب نحو انتاج الهيدروجين الأخضر، مستفيدا في هذا الشأن من من موارده الطبيعية والبيئة الغنية، ويهدف أن يصبح مركزا إقليميًا ودوليًا لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر، خاصة مع تزايد الطلب العالمي على هذه الطاقة النظيفة كمصدر مستقبلي بديل للوقود الأحفوري.
فلاحة نظيفة الطاقة
لقد جعل مخطط “الجيل الأخضر 2020 2030” الذي يعد خارطة طريق السياسات العمومية الفلاحية خلال العشرية الحالية، اقتصاد وترشيد الطاقة وتنويع مصادرها من بين ركائزه ورهاناته، حيث خص محورا عنونه بـ”فلاحة مقاومة للتغيرات المناخية وناجعة بيئيا”، واعتبر أن “من الرهانات الأساسية للمخطط، أن يجعل فلاحتنا أكثر مقاومة للتغيرات المناخية وأكثر نجاعة من الناحية البيئية”.
وأبرز المخطط أن ذلك “يعد من المستلزمات لاكتساب مرونة أكبر أمام التقلبات المناخية وضمان ديمومة التنمية الفلاحية التي تشكل إحدى ركائز هذه الاستراتيجية الجديدة. عمليا، يتعلق الأمر بالاستثمار في النجاعة المائية والطاقية من أجل الحفاظ على الموارد الطبيعية، بالموازاة مع إحداث أنشطة جديدة مذرة للدخل والشغل”.
ويهدف المخطط إلى مضاعفة النجاعة المائية (التي تقاس بالقيمة المضافة لكل متر مكعب من الماء) مرتين، وذلك عبر مواصلة برامج الري وتهيئة المجال الفلاحي، إضافة إلى تعبئة الموارد المائية غير التقليدية.
ونص على أنه “بالموازاة مع هذا الاستعمال الأمثل للموارد المائية، سيتم تشجيع استعمال الطاقات المتجددة في هذا المجال عبر مواكبة الانتقال الطاقي للفلاحين في اتجاه الطاقات المتجددة (الكتلة الحيوية، الطاقة الشمسية،…) : 20 % من المساحة الصالحة للزراعة المسقية ستستعمل تقنية ضخ المياه بواسطة الطاقة الشمسية”.
وأضاف “كما تعد تحلية مياه البحر بديلا مستداما يمكن تعزيزه في إطار الاستراتيجية الجديدة للالتقائية مع البرنامج الوطني لمياه الشرب والري 20202027. في سياق الحفاظ على الموارد الطبيعية، سيواصل أيضا مخطط الجيل الأخضر 2020 2030 بذل المجهودات في مجال توسيع المساحات المزروعة و تعميم تقنيات المحافظة على التربة”.
ولقد أطلق المغرب منذ مخطط المغرب الأخضر، ثم بعده في مخطط الجيل الأخضر، مشاريع تروم دعم الفلاحين لاقتناء مضخات المياه التي تعمل بالطاقة الشمسية، لتقليل تكاليف الري وتعزيز الاستدامة الطاقية في المناطق القروية، إضافة إلى تحسين استهلاك المياه من خلال أنظمة الري بالتنقيط، فضلاً عن تشجيع الممارسات الزراعية الصديقة للبيئة.
إنجازات تعوقها إكراهات ونواقص
بالرغم من استمرار المغرب في سياسة تعزيز مكانته الريادية إقليميا ودوليا في مجال الطاقات النظيفة، ومحاولات تعميم هذه الطاقات على مختلف الأنشطة الاقتصادية، وتنامي الوعي بأهمية الطاقة النظيفة في تحسين الإنتاجية واستدامة الموارد الطبيعية وتعزيز الأمن الغذائي للمملكة، إلا أن استخدام هذه الطاقات في المجال الفلاحي مازالت تعوقه وتشوبه إكراهات ونواقصه عدة، وهو القطاع الذي يعتبر من بين القطاعات الأكثر استهلاكا للطاقة.
حسب شهادات فلاحين، فإن غياب أي مشاريع لدعم اقتناء معدات وتجهيزات الطاقات المتجددة، مثل ألواح الطاقات الشمسية وبطاريات التخزين، يجعل عددا من الفلاحين خصوصا الصغار منهم غير قادرين على اعتماد هذه الطاقات في أنشطتهم بالرغم من كونها اقتصادية على المدى المتوسط والطويل، غير أن تكلفة الاقتناء تحول دون دخولهم هذا الغمار، كما يساهم غلاء بطاريات التخزين إلى الاعتماد على بدائل طاقية تقليدية وغير صديقة للبيئة للري والسقي في الأيام الغائمة في الليل.
كما أسهمت موجة الجفاف التي عاشها المغرب خلال السنوات الأخيرة، وما لحقها من تراجع في المياه الجوفية وتراجع الأنشطة الفلاحية ومردوديتها في عدد من الأقاليم، في إعاقة تفكير الفلاحين في تطوير آلياتهم أو الاستثمار في مجال الطاقة، فاختار عدد منهم الارتكان إلى الآليات التقليدية.
إن عملية تعزيز استخدام الطاقات المتجددة في القطاع الفلاحي في المغرب، تتطلب تحديثًا شاملاً للقوانين والتشريعات المتعلقة بهذا المجال، ينبغي أن تتسم هذه التشريعات بالمرونة والوضوح، بحيث تشجع الفلاحين على الاستثمار في الطاقة النظيفة دون الوقوع في فخ التعقيدات القانونية والإدارية.
المصدر: العمق المغربي