اخبار السودان

لا أحد يحكي سوانا”… صحافيون يخاطرون لتغطية حرب السودان

في مدينة الجنينة أقصى غرب السودان قرب الحدود مع تشاد، يتسلق صحافيون سودانيون جبل عمير لالتقاط شبكات الاتصال التشادية لمراسلة وسائل الإعلام التي يعملون فيها، بسبب انقطاع الاتصالات جراء الحرب.

ومنذ اندلاع الحرب قبل عامين بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” يغرق إقليم دارفور في ظلام إعلامي، بسبب انقطاع الكهرباء والاتصالات واستهداف طرفي النزاع للصحافيين.

وتقول الصحافية السودانية نون في اتصال مع وكالة الصحافة الفرنسية من الجنينة في إقليم دارفور “لا كهرباء ولا ماء ولا إنترنت”، مضيفة “نضطر للمشي مسافات طويلة لشحن هواتفنا” عبر ألواح الطاقة الشمسية المستحدثة.

التحديات التي تواجه الصحافيين السودانيين لا تنتهي هنا، ففي حال تغلبوا على العوائق اللوجيستية فإن فرص نجاتهم الجسدية أو الوصول إلى المعلومات والتحرك على الأرض أقل بكثير.

ملاحقة الصحافيين والتعرض لهم

خلال عام 2024، كان السودان إحدى أخطر الدول لممارسة الصحافة وثاني أكثر دولة يقتل فيها الصحافيون، بحسب لجنة حماية الصحافيين.

وطلبت نون وكل الصحافيين الذين تحدثت معهم وكالة الصحافة الفرنسية تغيير أسمائهم، حرصاً على أمنهم.

وتتابع الصحافية البالغة 35 سنة أنه بعد تغطية هجمات لـ”الدعم السريع” في الجنينة، اقتحم مسلحون منزلها و”سرقوا كل معداتي. كانت لدي كاميرتا فيديو وكاميرا فوتو بملحقاتها. سرقوا كل شيء”.

وفي عام 2023 شهدت مدينة الجنينة المرتفعة عن سطح البحر والمعروفة بمزارعها الخصبة مذابح، انتهت بمقتل 10 إلى 15 ألف شخص معظمهم من قبيلة المساليت، في سلسلة هجمات على أساس عرقي نفذتها قوات “الدعم السريع“، بحسب الأمم المتحدة.

وتتحدث نون عن اقتحامات أخرى استهدفت منزلها. وتروي “في المرة الثالثة التي اقتحموا فيها بيت عائلتي، ناداني أحدهم باسمي وسألني أين الكاميرات؟”، وعندها قررت النزوح مع عائلتها إلى ولاية القضارف في شرق السودان، وهناك أوقفها الجيش أثناء تغطيتها تجمعاً للنازحين بتهمة التعاون مع “الدعم السريع”، وأطلق سراحها بعد توقيعها إقراراً بعدم ممارسة الصحافة من دون “أخذ إذن الجيش في ما تكتب قبل النشر”.

ولم تعد نون لممارسة عملها الصحافي منذ أكثر من عام.

الصحافة “أكبر جريمة”

وفقاً لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، فر منذ بدء الحرب في السودان أكثر من 400 صحافي إلى الدول المجاورة. وأصبحت وسائل إعلام كثيرة تبث من الخارج، تاركة صحافييها داخل السودان للعمل من دون مكاتب.

وداخل مدينة ود مدني في ولاية الجزيرة التي تعد سلة غذاء السودان، يربي الصحافي يوسف (62 سنة) الماعز ويزرع الذرة السودانية الرفيعة (ودعكر) ويتبادل المنتجات مع جيرانه الذين يربون الأبقار.

ويقول يوسف إن آخر راتب تلقاه مقابل عمله الصحافي، الذي لم يتوقف منذ بدء الحرب، كان في بداية 2024، قبل أن تغلق الصحيفة التي يعمل فيها مكتبها داخل السودان وتنتقل للعمل من القاهرة.

ويؤكد يوسف أنه مستمر في تأدية عمله الصحافي معتمداً على الكهرباء من ألواح الطاقة الشمسية والإنترنت المتقطع. “أرسل الخبر للصحيفة وأنتظر أن يلتقط الهاتف الشبكة، ليتم الإرسال”.

وانقطع تواصل يوسف مع صحيفته لمدة ثمانية أشهر أثناء سيطرة “الدعم السريع” على ود مدني.

ويشير يوسف إلى أن مسلحي “الدعم السريع” اعتقلوه من منزله خلال فبراير (شباط) 2024، “تم تقييد يدي وعصب عيني ووضع الجنازير في قدمي وبقيت في الحبس لمدة ثلاثة أيام بلا طعام أو دورات مياه”. ويقول “سألني المحقق هل أنت صحافي؟ قلت نعم. قال لي هذه أكبر جريمة”.

ولم يطلق سراح يوسف إلا بعد أن وقع عمدة الحي ضماناً بألا يخرج يوسف من منزله.

انتهاكات “لا يتصورها أحد”

يعمل إبراهيم (30 سنة) مصوراً صحافياً حراً، وهو واحد من قلائل ما زالوا يعملون من داخل إقليم دارفور الذي يشهد معارك عنيفة، بينما يعاني سكانه الجوع.

وفي مدينة طويلة التي تستقبل عدداً كبيراً من نازحي الفاشر، يجلس إبراهيم وزملاؤه في مقهى لشحن هواتفهم على لوح للطاقة الشمسية مصنوع من مواد بسيطة ومتاح للاستخدام العام.

ويقول “هاتفي هو كل ما أملك للتصوير وتعديل الصور وتغطية” الأحداث في مدينة طويلة ومخيمات النزوح المحيطة بالفاشر، عاصمة شمال دارفور.

ويشهد إقليم دارفور أكثر المعارك حدة. خلال الأسبوع الماضي وحده، قتل 400 شخص ونزح 400 ألف آخرون نتيجة هجوم لـ”الدعم السريع” على مخيم زمزم قرب الفاشر، وفق الأمم المتحدة.

ويوضح إبراهيم أنه يضطر إلى ممارسة عمله “بسرية تامة. لو عرفوا أنني أقوم بتغطية الأحداث، قد يتم اعتقالي مرة أخرى أو قد يصادرون هاتفي”.

وخلال يوليو (تموز) 2024، قبل نزوحه إلى طويلة من الفاشر اعتقل مسلحو “الدعم السريع” إبراهيم، “عذبوني لمدة خمسة أيام لاتهامي بأني عميل للجيش”. ويضيف أنهم أخذوا كل ما كان معه من معدات ومستندات وأموال.

وبحسب نقابة الصحافيين السودانيين، قتل 28 صحافياً سودانياً في الأقل وتعرض 68 للإخفاء القسري أو الاعتقال منذ بداية الحرب.

وبعد واقعة الاعتقال، نزح إبراهيم إلى طويلة تاركاً في الفاشر ما تبقى لديه من معدات وكاميرات خوفاً من اكتشاف عمله الصحافي، في حال توقيفه عند نقاط تفتيش.

ويتساءل إبراهيم الذي أرسل أسرته إلى خارج دارفور “من سيوصل ما يحدث في دارفور إن خرجنا كلنا؟ لا أحد يحكي ما يحدث في دارفور سوانا. والانتهاكات هنا لا يتصورها أحد”.

اندبندنت عربية

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *