اخر الاخبار

عشرة أسباب ترجح أن الدولة لن تلاحق الإخوان المسلمين؟

أمد/ لا أتوقع أن تلاحق السلطة التنفيذية الإخوان المسلمين على نحو شامل، وسوف تحصر المحاكمات بالأشخاص الذين يتوصل إليهم التحقيق ويحاكمون كأشخاص أو مجموعات بمعزل عن علاقتهم بالإخوان المسلمين و/أو حزب جبهة العمل الإسلامي و/او حركة حماس. وهذا مجرد تقدير شخصي أو كما يقول عادل إمام في مسرحية شاهد ماشافش حاجة ده اقتراحي في القضية يعني. الحال إنني ومثلي كثير من المثقفين والمتابعين في شأن القضية المنظورة في محكمة أمن الدولة وأظن انها سميت تصنيع السلاح وطائرات درون؛ شاهد ما شافش حاجة، لكن يمكن تقديم النقاط التالية كمدخل للترجيح بأنه لن يكون حظر ولا ملاحقة.

1. التقدير العام للمسألة السياسية القائمة على درجة عالية من التعقيد والاعتبارات المتناقضة والمتوازية التي تجعل علاقة الدولة الأردنية بالإخوان المسلمين مختلفة عن أي بلد آخر، ولا يمكن قياس ما يجري في بلدان عربية بالأردن.

2. الحالة السياسية والقضية الراهنة المثيرة للجدل والتفاعل محاطة بمزاج شعبي واجتماعي واضح، ولا يمكن فصلها عما يجري في غزة وفلسطين بعامة، كما أن القضية الفلسطينية باعتبارها قضية تحرير وتحرر من الاحتلال تمثل رمزية عالية متقبلة بل ومقدسة لدى الفلسطينيين والعرب والمسلمين وقطاع واسع في العالم المناصر للقضية الفلسطينية وقضايا التحرر والعدالة. ومع الموافقة والتسليم على عدم صحة انتهاك قوانين وسيادة الأردن والدول العربية والتزاماتها الدولية والقانونية، والموافقة أيضا والتسليم بأنه ثمة انتقائية إخوانية وحماسوية في السلوك تجاه الدول وقوانينها والتزاماتها، فإنها تظل جرائم سياسية يؤيدها الناس أو يتعاطفون معها حتى الموافقة على أنها جريمة.

3. في الاستشهاد والتفكير بتاريخ العلاقة بين الحكومة والإخوان ما يؤشر بوضوح أن الحكومة تريد من الجماعة أن تخفض نشاطها وظهورها السياسي، وأن تعيد حالة التفاعل مع حرب غزة إلى مستوى أقل انفعالا وتوترا، ومن يتذكر من أجيالي حالة ومشاهد التفاعل مع انتفاضة الأقصى عام 2000 2003 ومعاهدة السلام 1993 1997 يلاحظ ان ما يجري اليوم ليس مختلفا وأن الإدارة الحكومية للملف لا يتوقع أن تكون مختلفة.

4. لم تتحرك السلطة أمنيا ضد جماعة المسلمين وقياداتها، ولو كانت تريد ربط القضية بالإخوان المسلمين لتحركت بسرعة واعتقلت أعدادا كبيرة منهم لحظة أو قبيل الإعلان عن القضية، وطالما مر “ثلاثة أيام وثلث” بعد الإعلان فإنها دخلت في مرحلة من التسكين والضغط والمواجهة الناعمة.

5. جماعة الإخوان المسلمين محظورة قانونيا، وليس لها صفة قانونية منذ إعلان القضاء رسميا أنها جماعة غير قانونية، لكن الأكثر طرافة ودهشة أن الجماعة لم تكن قانونية منذ عقود طويلة، وأنها كانت تعمل دون غطاء قانوني. هي ببساطة جماعة غير مسجلة أو مرخصة، وتعمل بحكم وضع اليد المتقبل من قبل الدولة والمعترف به واقعيا وليس قانونيا أو رسميا.

لكن السلطة التنفيذية لم تلاحق الجماعة حتى مع الإعلان عن عدم قانونيتها، واكتفت بإغلاق المقرات المعلنة، وتعلم السلطة أن الجماعة تعمل كما لو لم يحدث شيء وأنها أجرت انتخاباتها وأعلنت عن قادتها تماما كما كان يحدث على الدوام منذ عدة عقود. بل إن الجماعة بالغت في إظهار نفسها سياسية واعلاميا، وفعل المراقب العام الأخير “مراد العضايلة” ما لم يفعله أي مراقب عام للجماعة من قبل؛ عندما شارك في مؤتمر الإعلان عن مرشحي حزب جبهة العمل الإسلامي للانتخابات النيابية 2024، ولم يكن فقط جالسا إلى جانب الأمين العام للحزب وائل السقا، لكنه ردّ عليه واستدرك قمعيا وناقضا لبعض مقولات السقا. وللأمانة فقد كان خطاب العضايلة موفقا أكثر من خطاب السقا، وأظهر وعيا سياسيا وواقعيا أكثر. لكنه في ذلك كله لم يكن يحمل صفة قانونية للمشاركة بل والوصاية على الحزب!

6. تؤدي جماعة الإخوان المسلمين برغم انزعاج السلطة التنفيذية منها دورا استيعابيا للجماهير، وبدونها تتحول إلى مجموعات بلا قيادة ولا تنسيق ولا توجيه، ويمكن أن تحدث فوضى، ويزيد التطرف والتعصب الديني والسياسي. وتظل العلاقة بين السلطة والجماهير المنفعلة بما يجري في فلسطين من خلال جماعة الإخوان المسلمين أكثر مؤسسية وتملك إمكانيات التفاهم والتطبيق بدلا من محاولة التفاهم مع اعداد كبيرة لا تحصى من المجموعات المعروفة وغير المعروفة.

7. تمثل جماعة الإخوان المسلمين مظلة سياسية لفئات اجتماعية واسعة في الأردن، لا تؤيد الجماعة دينيا ولكن سياسيا، وتقدم في المقابل حاضنة وقاعدة اجتماعية للجماعة، تجعلها محمية أو مغطاة، والحال أن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن مختلفة في تركيبتها العضوية والتنظيمية والاجتماعية عن الجماعة في أي قطر آخر، إنها ليست مجرد جماعة دينية سياسية مثل الإخوان المسلمين في مصر أو تونس أو المغرب على سبيل المثال، لكنها أيضا جماعة اجتماعية بمعنى تمثيل سياسي واجتماعي لفئة واسعة من المواطنين على أساس جغرافي وجهوي وليس ديني أو برامجي. كما أنها (جماعة الإخوان المسلمين في الأردن) تختلف فكريا وأيديولوجيا عن الجماعة في الأقطار العربية الأخرى، هي في الحقيقة حزب التحرير الإسلامي بغطاء أو قشرة إخوانية، تشبه في ذلك الوصف التقليدي بالبطيخة التي يختلف جوهرها في كل شيء عن الإطار الذي يغلف هذا الجوهر ويحيط به. الغطاء ليس مختلفا فقط عن الجوهر بل يحميه ويصد عنه الأذى والضربات.

بالطبع تستطيع السلطة منع الجماعة وملاحقتها لكنها في ذلك تدفع كلفة اجتماعية وسياسية تجعل المواجهة غير مجدية بالنسبة إليها، إنهما (المظلة السياسية والقاعدة الاجتماعية) مثل الجمل والقط المربوطان ببعضهما، يؤخذان معا أو يتركان معا.

8. تعلم السلطة التنفيذية بالتأكيد أن وقف عمليات تهريب وتخزين وتصنيع السلاح لن يتم إلا بالتفاهم مع مجموعة “حولّي” من قادة حماس، وهي مجموعة فرضت نفسها “سلبطة” على حماس وجماعة الإخوان المسلمين، لكن هذها المجموعة التي لا تتغير ولا تستشهد تبتز حماس والجماعة ولم يعد سهلا التخلص منها، يجب أن تفعل ذلك أولا حماس والجماعة. وفي المقابل فإنها مجموعة مستعدة لممارسات وتفاهمات مغرية للسلطات والدول ومفرطة في البراغماتية وعلى نحو لن تقدم عليه قيادة جماعة الإخوان المسلمين ولا قيادة حماس المنتخبة انتخابا حقيقيا وفعليا (مجموعة غزة) وتعرض نفسها وتقدمها على نحو علني متكرر أنها ورقة متاحة او معروضة للاستخدام والتأثير. بمقابل طبعا

9. المشكلة الأكثر تعقيدا أن حماس انقسمت انقساما عدائيا بين مجموعة غزة ومجموعة “حولّي” وربما تكون قصص العنف والسلاح والمواجهة والتفاهم والتفاوض مرتبطة إلى حدّ كبير بهذا الصراع؛ بما في ذلك التصعيد والتهدئة. ويجب أولا توحيد حماس إذا بقيت (لا أظن أنه يمكن القضاء عليها مادامت فتح غير قادرة على تمثيل الشعب الفلسطيني) وتمكينها من إقامة علاقة قانونية مع الفلسطينيين وخاصة في الضفة وغزة، والخارج أيضا؛ مع الاعتراف بالتعقيدات والازدواجية.

10. البديل أو الحل النظري هو تمكين الفلسطينيين في فلسطين وفي الدول العربية وغيرها من الدول التي تناصر القضية الفلسطينية أو تتفهما من إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية على نحو ديمقراطي يعكس إرادة واتجاهات الفلسطينيين.

عن عمون الأردنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *