البرهان يعزز قبضته على الحكم باعادة هيكلة السلطة التنفيذية

وفي الوقت الذي نقلت فيه مصادر صحفية أن الإعفاءات لن تقتصر على الوزيرين المقالين، بل ستمتد لتشمل أربعة وزراء آخرين في القريب العاجل، في سياق “إعادة ترتيب البيت الحكومي بما يتناسب مع مقتضيات المرحلة المقبلة”، أشارت معلومات أخرى إلى وجود خلافات داخل مجلس السيادة.
وأكدت تقارير محلية أن إدارة ملف العلاقات الخارجية تتركز بشكل متزايد داخل المجلس السيادي، في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي، مشيرة إلى أن إقالة وزير الخارجية علي يوسف من منصبه لم تكن نتيجة قرار مفاجئ، بل جاءت بناءً على طلب تقدم به الوزير نفسه، أرجعه إلى صعوبة التعاطي مع مجلس السيادة في ظل تباين الرؤى داخل المجلس، ما جعله يفضل التنحي عن المنصب بعد أربعة أشهر فقط من تعيينه.
ووفقًا للمصادر، فإن الخلاف بين وزير الخارجية وعضو مجلس السيادة الفريق أول ركن شمس الدين كباشي كان من أبرز الأسباب التي عجلت بطلب الإعفاء. وأوضحت المصادر أن العلاقة بين الطرفين شهدت توترًا ملحوظًا خلال الأسابيع الماضية بسبب تباينات حادة في إدارة السياسة الخارجية والتنسيق حول عدد من الملفات الإقليمية والدولية.
وفي أول تعليق له بعد قرار الإقالة، عبّر السفير علي يوسف الذي تولى حقيبة الخارجية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عن تقديره العميق للقيادة السياسية، وعلى رأسها رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، لما وصفه بـ”الثقة الغالية” التي أُوليَت له لقيادة وزارة الخارجية خلال فترة وصفها بـ”الصعبة والمليئة بالتحديات”.
وقال يوسف “تشرفت بتولي إدارة وزارة الخارجية في ظل تحديات متعاظمة سددت فيها وقاربت، وبذلت فيها كل جهدي، ووجدت كل التعاون من منسوبي الوزارة الذين كانوا على الموعد بذلًا وعطاء وتجردًا”.
وجاءت إقالة يوسف (أو استقالته) بعد أيام قليلة من تصريحات إعلامية أشار فيها إلى أن انسحاب الدعم السريع كان نتيجة اتفاق مسبق، حيث أوضح “إما أن نتقاتل ويتم حسم الحرب عسكريا ويستسلم المهزوم أو أن يتم تنفيذ المبادرة التي قدمت للدعم السريع والتي تبدأ بانسحابه إلى مناطق محددة ترحب به وهي مناطق حواضنه القبلية”.
ومنذ تسلمه مهام وزارة الخارجية في نوفمبر/تشرين الثاني أثار يوسف جدلا كبيرا خصوصا بعد دفاعه عن اتفاق أبرمه نظام المخلوع عمر البشير في 2017، يتيح لروسيا إقامة قاعدة بحرية على البحر الأحمر في بورتسودان وتأكيده بأنه لا مانع من أن يمنح السودان دولا أجنبية قواعد بحرية على طول سواحله.
ويرى محللين أن هذه التغييرات تحمل أوجه متعددة فهي يمكن أن تذهب تكون في إطار التهدئة وتخفيف جبهات المواجهة أو تغييرات يراد منها تعزيز النفوذ والهيمنة في مواجهة تيار داخل السلطة رافض لسياسة البرهان.
وتأتي هذه التعديلات في وقت تشهد فيه وزارة الخارجية السودانية ديناميكية غير مسبوقة منذ اندلاع الحرب في البلاد، بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023، ونقل مقر الحكومة إلى مدينة بورتسودان في شرق البلاد، تعاقب ثلاث وزراء على وزارة الخارجية وسط توتر كبير شهدته علاقات السودان مع عدد من دول المنطقة.
وأصدر البرهان قرارا باعتماد قرار مجلس الوزراء الانتقالي والقاضي بإنهاء تكليف حسين عوض علي محمد من مهام وزير الخارجية واعتماد تكليف علي يوسف بمهام الوزارة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وكان قد كلف في 17 أبريل/نيسان 2024 حسين عوض علي بمهام وزير الخارجية بدلا من علي الصادق.
ويوم 21 يناير/كانون الثاني 2022 عين رئيس مجلس السيادة علي الصادق وزيرا للخارجية ضمن تشكيل وزاري ضم 15 وزيرا وذلك عقب إجراءات البرهان الاستثنائية يوم 25 أكتوبر 2021 ومنها حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإعلان حالة الطوارئ.
وبالتزامن مع هذه الإقالات، كشفت مصادر صحفية عن ترشيحات جارية لتولي حقيبة الخارجية، من أبرزها السفير عمر الصديق، المندوب السابق للسودان لدى الأمم المتحدة، وسط ترقب لقرارات قد تصدر خلال الساعات المقبلة.
وقالت مصادر مطلعة أنه جرى ترشيح الصديق في منصب وزير الخارجية خلفا للوزير المقال على يوسف وستولى وكيل الوزارة مهام إدارة العمل حتى يتم تعيين وزير جديد في الأيام القليلة المقبلة.
وهذا الترشيح يأتي في وقت حساس تمر به الساحة السياسية السودانية، ويعتبر السفير عمر الصديق من الوجوه المعروفة في السلك الدبلوماسي، حيث يتمتع بخبرة واسعة في العلاقات الدولية.
والتحق الصديق بوزارة الخارجية السودانية في عام 1980. وتدرج في السلك الدبلوماسي من خلال عدة إدارات في الوزارة. وشغل منصب سفير السودان في كل من ألمانيا وبريطانيا وجنوب أفريقيا والصين كما عمل مندوباً دائماً للسودان لدى الأمم المتحدة في نيويورك.
ومن جهته، أعلن عمر بخيت عن تسلمه قرار الإعفاء من منصبه وزيرا للشؤون الدينية والأوقاف، موجها الشكر للقيادة على منحه الثقة في فترة وصفها بالحافلة بالتحديات.
وكشف بخيت، في مقابلة صحافية قبل ساعات قليلة من صدور قرار إقالته، عن تفاصيل تتعلق بـ”ملف الأوقاف السودانية في السعودية”، وهو الملف الذي وصفه بـ”لغم الوزراء” نظرًا لحساسيته وتشابك مصالحه.
وقال بخيت “منذ توليت المنصب، حذرني الكثيرون من الاقتراب من ملف الأوقاف لدى السعودية، ونُصِحت نصاً: إياك أن تقترب منه، لأنه طريق إلى الإقالة”، مضيفًا أنه رفض الانصياع لتلك النصائح، وأكد عزمه العمل على أي ملف يدخل في نطاق مهامه، حتى وإن كلّفه ذلك منصبه.
المصدر: صحيفة الراكوبة