رسالة من محمود خليل: عندما تصبح الديمقراطية الأمريكية مصالح وتضلل إدارة ترامب الرأي العام خوفا من فلسطين

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا على شكل رسالة لمحمود خليل، الفلسطيني الذي تخرج حديثا من جامعة كولومبيا، قال فيه إن الديمقراطية قد تكون للبعض ديمقراطية المصلحة وليست ديمقراطية على الإطلاق. وأشار فيه إلى ظروف اعتقاله قائلا:
“الساعة الثالثة فجرا وأنا مستلق وقد غادر النوم عيني على سرير بطابقين في جينا، لويزيانا، بعيدا عن زوجتي نور، التي ستلد طفلنا بعد أسبوعين. صوت المطر وهو يضرب السقف المعدني يخفي شخير 70 رجلا يتقلبون على حصائر صلبة في مركز الاحتجاز هذا الذي تديره إدارة الهجرة والجمارك. من منهم يحلم بلم شمله مع عائلته؟ من منهم تراوده كوابيس حول أن يصبح “الخطأ الإداري” التالي لإدارة ترامب؟”.
وفي “يوم الجمعة الماضي، جلست في قاعة المحكمة بينما قرر قاضي الهجرة أن الحكومة يحق لها ترحيلي رغم وضعي القانوني كمقيم دائم، ورغم أن ادعاءات الحكومة ضدي لا أساس لها من الصحة – فمعظم “أدلتها” مستقاة مباشرة من صحف شعبية مثيرة للجدل. لن يؤدي القرار إلى ترحيلي فورا، فجوانب من قضيتي لا تزال عالقة في محاكم أخرى”.
و “في وقت سابق من ذلك اليوم، تصفحت رسائل من مؤيدين. كان طابعان بريديان يحملان العلم الأمريكي، أحدهما مكتوب عليه “الحرية للأبد”، والآخر “العدالة للأبد”. المفارقة مذهلة، لا سيما فيما يتعلق بما تعلمته عن كيفية استغلال الإدارة لقانون الهجرة لفرض أجندتها القمعية. أفكر في السرعة الجنونية التي نظر فيها بقضيتي وصدر الحكم بها، وفي تجاهل للإجراءات القانونية الواجبة. من ناحية أخرى، أفكر في أولئك المسجونين معي، والذين يقبع الكثير منهم لأشهر أو سنوات في انتظار “الإجراءات القانونية الواجبة”.
و “خلال جلسة الاستماع يوم الجمعة، أكدت الحكومة نيابة عن وزير الخارجية ماركو روبيو أن معتقداتي وتصريحاتي وارتباطاتي تعرض مصالحها “الأساسية” في السياسة الخارجية للخطر. ومثل آلاف الطلاب الذين دافعت عنهم في جامعة كولومبيا – بمن فيهم أصدقائي المسلمون واليهود والمسيحيون – أؤمن بالمساواة الفطرية بين جميع البشر. أؤمن بالكرامة الإنسانية. أؤمن بحق شعبي في النظر إلى السماء الزرقاء دون خوف من صاروخ وشيك”.
وتساءل: ” لماذا يفترض أن يؤدي الاحتجاج على قتل إسرائيل العشوائي لآلاف الفلسطينيين الأبرياء إلى تآكل حقوقي الدستورية؟”
و “قد ذكر المحامون أن قضية تدعى “إندو” قد تؤثر على قضيتي. بعد أيام، وفي بحثي في مكتبة قانونية، اكتشفت القصة الإنسانية وراء هذا التجريد القانوني. ميتسوي إندو، وهي امرأة أمريكية من أصل ياباني سجنت خلال الحرب العالمية الثانية، تحدت خاطفيها ورفعت قضيتها إلى المحكمة العليا. وقد ساعد انتصارها في إطلاق سراح آلاف آخرين”.
وأضاف أن “سجن 70,000 مواطنا أمريكيا من أصل ياباني يذكرنا بأن خطاب العدالة والحرية يخفي حقيقة أن أمريكا، في كثير من الأحيان، كانت ديمقراطية مصالح. تمنح الحقوق لمن يتحالف مع السلطة. أما بالنسبة للفقراء، وللملونين، ولمن يقاومون الظلم، فما الحقوق إلا حبر على ورق. لطالما كان الحق في حرية التعبير فيما يتعلق بفلسطين ضعيفا للغاية. ومع ذلك، فإن حملة القمع على الجامعات والطلاب تكشف مدى خوف البيت الأبيض من فكرة دخول حرية فلسطين إلى التيار العام. وإلا فلماذا يحاول مسؤولو ترامب ليس فقط ترحيلي، بل أيضا تضليل الرأي العام عمدا بشأن هويتي وما أمثله؟”.
ويقول: “ألتقط نسختي من كتاب فيكتور فرانكل “بحث الإنسان عن المعنى” وأشعر بالخجل من مقارنة ظروف احتجازي في دائرة الهجرة والجمارك بمعسكرات الاعتقال النازية، ومع ذلك، فإن بعض جوانب تجربة فرانكل تتردد في ذهني: جهلي بالمصير الذي ينتظرني ورؤية الاستسلام والهزيمة في رفاقي المعتقلين. كتب فرانكل من منظور طبيب نفسي. أتساءل إن كان حسام أبو صفية، مدير مستشفى مشهور اختطفته قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة في 27 كانون الأول/ ديسمبر، والذي عانى، وفقا لمحاميه من مركز الميزان لحقوق الإنسان، من الضرب والصعق الكهربائي والحبس الانفرادي، سيكتب عن محنته من منظور طبي”.
“تقترب الساعة من الرابعة فجرا ويدوي الرعد. على بعد بضعة صفوف، يحتضن رجل زجاجة ماء ساخن في جورب للتدفئة. سجادة صلاته بمثابة بطانية، ورأسه مستريح على حذائه. أخيرا، استلقى معتقل كان يصلي طوال الليل. أُلقي القبض عليه وهو يعبر الحدود مع زوجته الحامل، ولم ير طفله الذي يبلغ من العمر الآن تسعة أشهر. أحاول إقناع نفسي بأن هذا لن يكون مصيري، مع أن حكم يوم الجمعة يجعل هذا الاحتمال أكثر واقعية مما أريد الاعتراف به”.
“أكتب هذه الرسالة مع شروق الشمس، آملا أن يدق تعليق حقوقي ناقوس الخطر بأن حقوقك في خطر بالفعل. آمل أن يلهم هذا غضبكم من أن أبسط غريزة إنسانية، وهي الاحتجاج على المجازر السافرة، تُقمع بقوانين غامضة، ودعاية عنصرية، ودولة تخشى يقظة الجمهور. آمل أن تفزعكم هذه الكتابة وتدركوا أن الديمقراطية للبعض – ديمقراطية المصلحة – ليست ديمقراطية على الإطلاق. آمل أن تحفزكم على التحرك قبل فوات الأوان”.