اخبار السودان

السودان / الإمارات: الإبادة الجماعية بين الهشاشة القانونية والمفارقة السياسية!

(تقرير: SPT ترجمة الراكوبة)

🔺في يوم الخميس، 10 أبريل، استضاف قصر السلام في لاهاي بهولندا الجلسة الافتتاحية لمحكمة العدل الدولية للنظر في قضية رفعتها الحكومة السودانية الحالية، التي يقودها الجيش والمدعومة من الإسلاميين، وتتخذ من مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر مقرًا لها، ضد دولة الإمارات العربية المتحدة. وتتهم الدعوى الإمارات بالتواطؤ في الهجمات التي وقعت في منتصف يونيو 2023 على مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، وذلك بعد شهرين من اندلاع الصراع في السودان. وبحسب تقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش، أسفرت تلك الهجمات عن مقتل آلاف الأشخاص وتشريد مئات الآلاف.
ونسب بيان صدر في حينه عن الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان أعمال العنف إلى ميليشيات عربية ومسلحين يرتدون زي قوات الدعم السريع.

وتزعم حكومة بورتسودان أن أبوظبي قدمت دعمًا لقوات الدعم السريع، التي تتهمها بارتكاب أعمال إبادة جماعية ضد إثنية (المساليت) في غرب دارفور. معتبرة أن هذا يشكّل انتهاكًا لاتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، ولا سيما المادة الثانية (التي تُعرّف أفعال الإبادة) والمادة التاسعة (التي تتيح للدول الأعضاء إحالة النزاعات المتعلقة بتفسير أو تطبيق الاتفاقية إلى محكمة العدل الدولية). إلا أن دولة الإمارات كانت قد أبدت تحفظًا على المادة التاسعة عند توقيعها وتصديقها على الاتفاقية في عام 2005.

🔺جلسة المحكمة:

في أول جلسة علنية، قدّم كل من السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة مرافعاتهما القانونية أمام المحكمة. وقد ألقى معاوية عثمان، وزير العدل بالحكومة السودانية، مرافعة بلاده الشفوية، متهماً الإمارات بارتكاب إبادة جماعية، وداعياً المحكمة إلى فرض تدابير مؤقتة ضدها. كما طالب بأن يُلزم القرار دولة الإمارات بتقديم تقرير خلال شهر واحد من صدوره يوضح الخطوات المتخذة لتنفيذ تلك التدابير، على أن تُقدَّم تقارير دورية كل ستة أشهر بعد ذلك.

من جانبها، دعت ريم كتّيت، نائبة مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية في دولة الإمارات، المحكمة إلى رفض طلب السودان، وطالبت بشطب القضية بالكامل من جدول أعمال المحكمة. ووصفت الطلب بأنه “إساءة صارخة لاستخدام مؤسسة دولية مرموقة”، مشيرة إلى أنه يفتقر لأي أساس قانوني أو واقعي. كما وصفت ادعاءات بورتسودان بأنها “مضللة في أحسن الأحوال، ومحض تلفيق في أسوأها”.

🔺تناقض أخلاقي:

تكشف مفارقة لافتة أشار إليها العديد من السياسيين السودانيين الذين قابلناهم عن واقع ساخر: إن الجهة السودانية الشاكية (المتمثلة في الحكومة الحالية والمؤسسة العسكرية) تنتمي إلى نفس الجهاز السياسي والعسكري للنظام الإسلامي السابق، المتهم بارتكاب فظائع ضد المدنيين. هذه الجهة نفسها، المطلوبة أمام العدالة الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، تُقدّم نفسها اليوم ليس كمشتبه بها، بل كشاكية وممثلة للضحايا.

ومن الجدير بالذكر أن السلطة الحاكمة حالياً في بورتسودان تحظى بدعم من عناصر سبق أن وُجهت إليهم اتهامات بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات واسعة. وهي نفس القوى التي اعتمدت في السابق على قوات الدعم السريع لتأمين سلطتها ومكّنتها من التوسع والتمدد.

قال المحامي السوداني البارز معز حضرة، المتحدث الرسمي باسم هيئة الادعاء في محاكمة الرئيس المخلوع عمر البشير وهي القضية التي توقفت بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 ضد الحكومة المدنية الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك في تصريح خاص لنا: “إن القائمين على حكومة الأمر الواقع في بورتسودان، الذين نراهم اليوم في لاهاي يتهمون دولة الإمارات بالإبادة الجماعية، هم أنفسهم من يوفّرون الحماية لأولئك الذين ارتكبوا جرائم حرب وإبادة جماعية في دارفور، ويقومون حالياً بعرقلة العدالة الدولية من خلال رفضهم تسليم المطلوبين للمحاكمة أمام لاهاي”.

🔺ازدراء العدالة الدولية:

في نهاية يناير الماضي، جدّد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، كريم خان، مطالبة السلطات في بورتسودان بتسليم الرئيس السابق عمر البشير، ووزير الدفاع الأسبق عبد الرحيم محمد حسين، ووزير الداخلية أحمد محمد هارون، الذين صدرت بحقهم مذكرات توقيف في أعوام 2007 و2009 و2010 و2012 بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.

لكن السلطات السودانية دأبت في الرد على طلبات المحكمة بالتسويف والمماطلة والازدراء المتكرر؛ إذ صرّح الفاتح طيفور، المعين نائبًا عامًا من قِبل السلطة القائمة في بورتسودان، لوسائل الإعلام: “لدينا عدالة داخلية، ولا مبرر للجوء إلى عدالة خارجية بدلًا عن عدالتنا الوطنية”. وفي السياق نفسه، قال السفير الحارث إدريس، المندوب السوداني بالأمم المتحدة، للصحفيين: ” لا يمكننا الامتثال لطلبات مدعي المحكمة الجنائية الدولية لأن المعلومات والأدلة المطلوبة دمرتها قوات الدعم السريع أثناء الحرب”.

ويُعدُّ رفض الحكومة السودانية التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية انتهاكًا لقرارات مجلس الأمن التي أحالت القضية إلى المحكمة وأدت إلى صدور مذكرات التوقيف بحق المتهمين.

🔺الخلاصة:

أجمع عدد من المحامين السودانيين وخبراء أجانب في القانون على أنه، وفقًا لتحليل المعطيات في الدعوى المقدمة من الحكومة السودانية، فإنها إضافة إلى الخطأ الإجرائي، ضعيفة وتفتقر إلى الأدلة المادية والمرتكزات القانونية اللازمة.

وقال معز حضرة: “جريمة الإبادة الجماعية لا تُثبت بالتمني، ولا توجد أي بينات قانونية مباشرة أو غير مباشرة تدل على أن دولة الإمارات قد قامت أو تواطأت بارتكاب فعل الإبادة الجماعية في السودان”.

وكتب مايكل بيكر، الخبير القانوني الدولي، وأستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان في كلية ترينيتي دبلن، في مقال نشره بمدونة أوبينيو جوريس Opinio Juris أول وأشهر مدونة عالمية مخصصة للنقاش المستنير حول القانون الدولي بين الأكاديميين والممارسين والخبراء القانونيين : “أتوقع أن تخلص محكمة العدل الدولية إلى أنها تفتقر إلى الاختصاص للنظر في هذا النزاع”.

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *