تحديات العصر الرقمي وتأثيرها على الأطفال

أمد/ بينما يُحلق الأطفال في عوالمهم البريئة بعيدين عن قسوةِ الواقعِ تتسلل الفضائيات إلى عالمهم حاملةً ألواناً زاهيةً وأصواتاً جذابةً لكنها في كثيرٍ من الأحيان تخفي في طياتها غزواً فكرياً لتُشكِّل وعيهم بطريقة قد تكون بعيدة كل البُعد عن القيم والمبادئ التي يحتاجون إليها ليصبحوا أفراداً واعين ومتماسكين.
إنها بما تقدمهُ من محتوى تحمل بين طياتها إمكاناتٍ عظيمةٍ للتثقيف والتعليمِ لكنها أداةٌ ذات حدّين، وقد تكونُ هدامةً أكثر من كونها بناءة! خصوصاً في ظل غياب رقابة الأسرة والمؤسسات الوطنية تُصبح هذه الوسائل نافذةً مفتوحة للغزو الفكري الذي قد يؤدي إلى تشويه مفاهيم الأطفال، وإفساد رؤيتهم عن العالم والمجتمع.
ولا يتوقف غزوها الفكري عند المحتوى غير المناسب فحسب وإنما يشمل الرسائل الضمنية التي تُرسَّخ عبر القصص، الصور، والأغاني، وذلك من خلال:
تشويه الهوية الثقافية والوطنية: حيثُ تُقدّم بعض البرامج للأطفال أنماط حياةٍ غريبةٍ عن بيئتهم وثقافتهم وقيمهم مما يؤدي إلى تكوين شرخٍ بالغٍ بينهم وبين مجتمعاتهم وأسرهم وحدوث تصادمٍ مُستقبلي بينهم وبين المجتمع.
تعزيز الاستهلاكية: معظم الفضائيات للأسف تنتهجُ مساراً استهلاكياً من خلال الإعلانات اللامعة التي تُغري الطفل بامتلاك الأشياء، وتجعله يؤمن بأن قيمتهُ تكمن فيما يملك وليس في شخصيته أو أخلاقه.
نشر العنف والإيحاءات غير المناسبة: تنتهجُ بعض البرامج والأفلام مساراً ومنهاجاً من خلال مشاهد مليئة بالعنف أو الإيحاءات السلبية التي تؤثر على تطور الطفل النفسي والعاطفي.
ولا يُحدث الغز تأثيرًا سطحيًا فحسب بل يمتد لغرسِ بذور القلق والاختلال في نفسية الطفل.. إذ يمكن أن يُربي فيه عدم الرضا عن حياته ومحيطه، ويدفعه لتقليد سلوكيات غير ملائمة، وفي الوقت ذاته فإن هذه البرامج قد تؤدي إلى عزلةٍ اجتماعيةٍ بسبب الوقت الطويل الذي يقضيه الطفل أمام الشاشات بدلًا من التواصل مع الأسرة أو الأصدقاء.
وفي الوقت نفسهُ لا يمكن مواجهة ذلك الغزو إلا عبر خطواتٍ جادةٍ ومدروسةٍ تبدأ من الأسرة وتتمثلُ في تعزيز الحوار مع الطفل ومساعدته في تحليل ذلك المحتوى وفهمه مع اختياره بعناية من خلال الاعتماد على البرامج التعليمية الوطنية والتي تحملُ قيماً إيجابية وتعزز التفكير الإبداعي، وتعليم الطفل كيفية الاستفادة من التكنولوجيا بشكلٍ صحيح وصحي ومفيد وذلك بالمشاركة بين الأسرة والمدرسة.
أما المؤسسات التربوية والإعلامية فعليها أن تُسهم بدورٍ مهم من خلال تقديم محتوى موجه يخدم نمو الأطفال بطريقة سليمة، ويُبرز هويتهم الثقافية ويُشجعهم على التفكير الابداعي.
ومن خلال متابعة أكثر القنوات الناطقة بالعربية والموجهة للطفل في عالمنا العربي نجدُ كارثةً تتمثلُ في أن بعض القنوات تروج لمفاهيم بالغة الخطورة كقناة وناسة التي يتابعها أغلب أطفالنا من سن سنة إلى ثلاث سنواتٍ تقريباً فعلى سبيل المثال تكثيفهم الصور للحرامي من خلال شخصية “شيكا” والتي تبعث شعوراً كبيراً لدى الطفل بالتعاطف معها ومحاولة وضع بعض المحسنات لما تقوم به من السرقة!
كما أن أغنية “الشرطة القوية التي تبثها نفس القناة والتي ترسلُ رسائل كارثيةً لا اعتقد أنها غير مقصودة.. فمن الواضح أن كل افراد الشرطة بالأغنية الموجهة للأطفال يحملون الشارة على صدورهم وهي النجمة السداسية للكيان الإسرائيلي!
وفي ظل ذلك العالم الذي يزدحم بالشاشات الملونة والأصوات الجذابة تُصبح الفضائيات شريكًا يوميًا في حياة الطفل لتفتح له نوافذاً على العالم، وتزرع في خياله الخصب بذور المعرفة التي يمكننا تشكيلها كيف نشاء.
من خلال ذلك يتضحُ جلياً أن الفضائياتِ لها دورٌ هامٌ في تكوين شخصية الطفل بشكلٍ جيد إذا ما أحسنا الاختيار وراقبنا ما يشاهدهُ أطفالنا، وإذا ما حققت قنواتنا العربية الغاية من ذلك في تحسين محتواها إذ يمكن للطفل أن يكتسب من خلالها المهارات الجديدة، واللغات المختلفة، ويطّلعُ على الثقافات المتنوعة التي توفر له فرصةً فريدةً لتنمية المهاراتِ الإبداعية، وتفتح لهُ أبواباً لفهم العالم بشكل أوسع، وقد تكون أيضاً مصدراً للترفيه الذي يخفف من ضغوط الحياة اليومية للطفل والأسرة من خلال ايجاد لحظاتٍ من الفرح والضحك تتشاركه الأسرة مع الطفل.