سحب تدبير رسوم السكن والخدمات من الخزينة العامة.. خطوة حكومية تثير تساؤلات

أقرت الحكومة، الخميس الماضي 10 أبريل 2025، مشروع قانون جديد يقضي بسحب اختصاص تدبير رسمي السكن والخدمات الجماعية من الخزينة العامة للمملكة، ونقله إلى المديرية العامة للضرائب، وذلك بعد سنتين فقط من منح هذا الاختصاص للخزينة وإحداث مناصب مالية لتأطيره وتعبئة الموارد البشرية اللازمة.
أثار هذا التعديل المفاجئ (مشروع القانون رقم 14.25 بتغيير وتتميم القانون رقم 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات الترابية) الكثير من التساؤلات، خاصة أنه يأتي بعد مرحلة إصلاح مؤسساتي شرع فيه سنة 2021، وتم خلاله تجهيز الخزينة العامة بموجب مرسوم جديد وبمباريات خاصة وتكوينات مهنية لمباشرة تدبير الرسمين.
وحسب حسب مصادر عليمة، فقد سجلت الخزينة العامة، منذ توليها تدبير الرسمين، ارتفاعا في الحصيلة الجبائية بأكثر من 38%، وهو ما يضعف مبررات سحب الاختصاص منها في هذا التوقيت، ويطرح فرضية وجود خلافات إدارية داخل مؤسسات الدولة، خاصة في ظل غياب أي تقييم رسمي للأداء أو تقديم مبررات قانونية علنية.
واعتمد المشرع، بموجب القانون رقم 47.06، نظاما جبائيا محليا يتيح للجماعات الترابية استخلاص رسوم محلية بشكل مباشر، غير أنه في ما يخص رسوم السكن والخدمات الجماعية والرسم المهني، نقل عملية التصفية والإصدار إلى المديرية العامة للضرائب، بينما أسند التحصيل للخزينة العامة.
واستجاب التعديل الجديد (القانون 07.20) لسنة 2020 لرغبة الحكومة آنذاك في توحيد تدبير هذه الرسوم لدى الخزينة العامة للمملكة، التي انخرطت بدورها في جهود تأهيلية، شملت التوظيف والتكوين ونقل ملفات الملزمين، كما تم إصدار قرار وزاري في يوليوز 2024 بنقل كامل الملفات من الضرائب إلى الخزينة.
وفي هذا السياق، حذر الدكتور جواد لعسري، أستاذ المالية المحلية بجامعة الحسن الثاني، من خطورة هذا التعديل، معتبرا أن “البرلمان سيوضع في قلب خلافات جانبية”، مشددا على أن “الاحترام الواجب لاستقرار النصوص القانونية والمؤسسات الدستورية يفرض رفض المشروع حماية لهيبة البرلمان ومصداقية التشريع”.
ودعا العسري، ضمن تصريح لجريدة “العمق”، إلى فتح نقاش جدي حول منظومة الجبايات المحلية برمتها، والقطع مع مقاربة “الكر والفر” في التشريع، التي تضر بمؤسسات الدولة وتربك جهود التخليق وترشيد التدبير العمومي، داعيا إلى التمييز بين الإصلاح الذي يقتضي تدخلا تشريعيًا والإصلاح الذي يحتاج فقط قرارات إدارية أكثر جرأة.
واعتبر لعسري أن هذا التعديل الجديد لا علاقة له بقانون الإطار رقم 69.19 الذي حاولت الحكومة الاستناد عليه في الورقة التقديمية، كما أوضح ذلك الناطق الرسمي باسم الحكومة، مبرزا أن قانون الإطار تم إعداده سنة 2019، والتعديل الأول لقانون الجبايات الترابية كان في السنة الموالية (2020)، متسائلًا لماذا لم يتم اعتماد هذا التنزيل آنذاك وتم تأجيله حتى الآن؟ وما علاقة قانون الإطار في الأصل بنقل الاختصاص من الخزينة العامة إلى المديرية العامة للضرائب؟
هذا، وأوضح الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، في لقاء صحفي عقب انعقاد المجلس، أن إصلاح جبايات الجماعات الترابية يندرج ضمن الأوراش التي تم إطلاقها بعد صدور القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، والقانون رقم 07.20 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات الترابية، والذي اعتبر في حينه لبنة أولية لبناء نظام جبائي محلي في توافق تام مع التوصيات المنبثقة عن المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات المنعقدة بالصخيرات والتي تم ترسيخها لاحقًا ضمن التوجهات الواردة في القانون الإطار رقم 69.19 المتعلق بالإصلاح الجبائي.
وأبرز الوزير أن مشروع هذا القانون يهدف إلى ملاءمة أسعار الرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية بمستوى التجهيز الذي تعرفه المناطق التي تتواجد بها العقارات الخاضعة لهذا الرسم؛ والتنصيص على جعل إدارة الضرائب الجهة التي سيسند إليها إصدار وتحصيل رسم السكن ورسم الخدمات الجماعية، علاوة على الرسم المهني الذي تقوم بتدبيره حاليًا، وذلك في أفق إحداث إدارة جبائية جهوية ومحلية.
كما يهدف هذا المشروع، يضيف بايتاس، إلى تحسين تحصيل الرسوم التي تقوم بتدبيرها المصالح التابعة للجماعات الترابية، من خلال إحداث قباض جماعيين لمباشرة إجراءات تحصيل تلك الرسوم، بالإضافة إلى سن أحكام خاصة تهدف إلى تمكين المصالح التابعة لمديرية الضرائب من ملفات الملزمين المتعلقة برسم السكن ورسم الخدمات الجماعية والتي سبق أن تم تحويلها إلى الخزينة العامة للمملكة، وذلك بهدف تصفية وإصدار وتحصيل الرسمين المذكورين.
المصدر: العمق المغربي