الرقابة على دعم استيراد الماشية تفجر الخلافات بين المعارضة والأغلبية

لا حديث هذه الأيام في الأوساط السياسية إلا عن جنوح الأغلبية والمعارضة بمجلس النواب نحو التفاعل مع النقاش المثار حول الإجراءات التي همّت سابقا استيراد المواشي واللحوم الحمراء من الخارج، إذ فضّل كل طرف أن يقترح مبادرة في هذا الجانب، مع سعيه إلى إخراجها إلى أرض الواقع.
وبعدما كشفت المعارضة بالمجلس ذاته عن دعمها تشكيل “لجنة لتقصي الحقائق” حول هذا الموضوع أبت الأغلبية إلا أن تعلن من جهتها عن تفضليها إحداث “مهمة برلمانية استطلاعية” حول دعم استيراد الأبقار والأغنام واللحوم؛ الأمر الذي فتح باب التساؤلات حول أي مبادرة أو آلية رقابية من الممكن أن ترى النور في هذا السياق.
ومن بين معالم “الانسداد” في هذا الجانب أن المعارضة في طريقها لتشكيل لجنة لتقصي الحقائق ستكون مطالبة بالتوفر على أصوات ثلث أعضاء الغرفة الأولى من البرلمان؛ ما يعني ضرورة الاستعانة بدعم من أحد أطراف فرق الأغلبية.
وعلى النقيض من ذلك فإن المسار يبدو معبّدا (نوعا ما) أمام الأغلبية في هذا الصدد، بحكم تمثيليتها داخل المجلس نفسه، مع استحضار كون الفريق الحركي (معارضة) سبق أن طالب لجنة القطاعات الإنتاجية بتشكيل مهمة استطلاعية حول اختلالات “سوق اللحوم الحمراء”.
ويعول كل طرف على إنجاح المبادرة التي اقترحها، في وقت تحوّل الموضوع إلى قضية رأي عام خلال الأسابيع الماضية، وهو ما تعزّز في الأساس بانخراط “وجوه استقلالية” في توجيه انتقادات للإجراءات الحكومية المعمول بها سلفا؛ الأمر الذي ساهم في تحريك النقاش حول الموضوع.
كما أن النقاش يبقى قائما حول دلالات اختيار كل طرف (الأغلبية أو المعارضة) آلية رقابية بعينها من الآليتين المذكورتين، خصوصا أن كل واحدة لها مساطرها وطرق إخراجها إلى حيز الوجود، إلى جانب مساطر أخرى تخص منهجية أداء عملها، ما بإمكانه أن يخلق الفارق في النتائج المتوقع الوصول إليها مستقبلا.
الأفضلية لأية مبادرة؟
رشيد لزرق، محلل سياسي أستاذ العلوم السياسية، قال إن “القوة المؤسساتية تبقى للجنة تقصي الحقائق أكثر من المهمة الاستطلاعية البرلمانية؛ فالأولى أكثر عمقا ويمكن أن تحيل ملفات على القضاء (في حالة تبيّنت ضرورة ذلك)، في حين أن الثانية يمكنها أن تصل إلى حقائق أقل وضوحا أو غير جوهرية”.
وأكد لزرق، في تصريح لهسبريس، أن “المعارضة تبقى دائما بحاجة إلى دعم من الأغلبية، إذ لا يمكنها أن تُشكل لجنة لتقصي الحقائق ما دامت لا تتوفر على ثلث مقاعد مجلس النواب”، متابعا: “ظهر وكأن فريق الاستقلال يعد من أكبر المتخوفين من تشكيل هذه اللجنة، في حين تمثل المهمة الاستطلاعية بالنسبة له عنصرا لحفظ ماء الوجه، مادام أن قياداته سبق لها أن انتقدت منظومة دعم الاستيراد”.
كما لفت المتحدث إلى أن “دعم أي طرف من الأغلبية البرلمانية مبادرة لجنة تقصي الحقائق لن يكون أمرا عاديا، بل سيكون بمثابة تموقع سياسي جديد في الخارطة”، واعتبر في هذا الجانب أن ” قرب الانتخابات يرمي كلا من المبادرتين في سلة واحدة”.
وتمسّك المحلل ذاته بـ”كون لجنة تقصي الحقائق تبقى أكثر وزنا في هذا الجانب وأكثر فعالية، ولاسيما إذا استحضرنا أن عددا من المهام الاستطلاعية البرلمانية سبق أن تم تشكيلها لكن نتائجها ظلت محدودة”.
دلالات المبادرتين
كريمة غراض، باحثة في العلوم السياسية والقانون الدستوري، قالت إن “خطوة أحزاب المعارضة، بما فيها التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية والعدالة والتنمية، من خلال العريضة التي وقعتها الإثنين الماضي بغرض تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول ما يعرف لدى الرأي العام بقضية الدعم الحكومي لاستيراد المواشي، تعتبر بمثابة مبادرة لضبط خروقات واقعية”، وفق تعبيرها.
وأضافت غراض في تصريح لهسبريس: “وإنْ تعدّدت أشكال التدخل بين الأغلبية والمعارضة إلا أنها تُبرز بالفعل أهمية الموضوع وارتباطه بتدبير مال عمومي كان موجّها لفئات شعبية عريضة لتمكينها من أداء شعيرة عيد الأضحى لسنتي 2023 و2024″، مؤكدة أن “دعوة أحزاب المعارضة إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق انتصار لروح دستور 2011 كما جاء في الفصل 67 منه، وتطبيق لأحكام القانون الداخلي لمجلس النواب في علاقته بالموضوع”.
وبعدما بيّنت أن المشرّع أوكل للمعارضة ممارسة دورها الرقابي على العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية بالموازاة مع هيمنة الأغلبية على الأداء التشريعي للغرفتين، لفتت المتحدثة إلى أن “انضمام حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية باعتباره أحد مكونات المعارضة فعليا في البرلمان، وإن كان يمارس ‘المعارضة الوطنية الاتحادية’ بمفرده، يبقى تفاعلا إيجابيا كان من المفروض أن يتسم به عمل المعارضة بكل أطيافها منذ بداية الولاية التشريعية بعد انتخابات 2021”.
وفي ما يخص مناداة أحزاب الأغلبية بمجلس النواب بتشكيل مهمة استطلاعية اعتقدت الباحثة أن ذلك “سيربك تفاعل نواب الأمة مع مبادرة المعارضة، إذ إن إشكالية التصويت ستبقى مطروحة”، متابعة: “كما يمكن النظر إلى االأمر بأنه سباق انتخابي وتدافع قبل استحقاقات 2026 من أجل استمالة الناخبين، إذ كان من المفروض التحلي بالروح الوطنية العالية وانضمام كل الأطياف السياسية أغلبية ومعارضة لتشكيل لجان لتقصي الحقائق انتصارا للوطنية وللضرب على أيدي تجار الأزمات”.
المصدر: هسبريس