اخبار السودان

دخان الكذب ونار الحرب : قصة سودان مُضنى ..!!؟؟

د. عثمان الوجيه

 

في أرض السودان الشاسعة، حيث تجري دماء الأبرياء أنهارًا، وتتصاعد آهات الثكالى دخانًا أسودًا، يقف قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة، الجنرال عبد الفتاح البرهان، ممسكًا بزمام حرب طالت عامين عجافًا، لم تكن أدواته في هذه الحرب بنادق ورصاص فحسب، بل سيفًا آخر أشد فتكًا: سيف التضليل الإعلامي، بمهارة خبيثة، سعى القائد إلى طلاء وجه الحرب القبيح بألوان زائفة، مستغلاً المنابر الدولية كمسارح لعرض روايات مشوهة لا تمت للواقع بصلة، كان يرمي ببصره نحو الخارج، يستجدي تدخلات غريبة، لعله يطيل أمد سلطته المتزعزعة على أنقاض الوطن، لكن الحقائق الدامغة كانت عصية على الطمس، وثائق وشهادات خبراء كشفت النقاب عن مساعي الجيش المحمومة لتسويق أكاذيبه، وتخفيف وطأة الضغوط الدولية المتزايدة، غير أن تقارير الأمم المتحدة كانت شاهدًا عدلاً، وثقت بالصوت والصورة انتهاكات الجيش المروعة بحق المدنيين العزل. جرائم حرب بشعة ارتُكبت بأسلحة محرمة دوليًا، استهدفت أرواحًا بريئة وممتلكات لا ذنب لها، لم يكتفِ الجيش بإنكار هذه الفظائع، بل تجرأ على استخدام أسلحة كيميائية في هجمات وحشية على مناطق مدنية نائية، محولًا حياة الآمنين إلى جحيم لا يطاق، لم تسلم المستشفيات والمدارس من بطشه، حيث طالتها يد التدمير المتعمد، في انتهاك صارخ لكل الأعراف والقوانين الإنسانية، مقاطع الفيديو وشهادات الناجين كانت أدلة دامغة على استخدام الجيش لتلك الأسلحة المحرمة في مناطق مكتظة بالسكان، تاركة خلفها أجسادًا تتلوى وأرواحًا معذبة، حتى المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور، وهي صوت الضعفاء والمقهورين، رفعت صرخة مدوية، معربة عن شكوكها العميقة في استخدام الطيران الحربي للجيش أسلحة كيميائية في غاراته المتواصلة على الإقليم المنكوب، وفي شهادة أخرى هزت الضمير العالمي، نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤولين أمريكيين قلقهم البالغ من استخدام الجيش السوداني لتلك الأسلحة في مناسبتين على الأقل ضد مليشيا الدعم السريع المتمردة، محذرين من تكرار هذه الجرائم في العاصمة الخرطوم المكتظة بالسكان، صوت الاتحاد الأوروبي ارتفع مطالبًا بتوسيع حظر الأسلحة ليشمل كل السودان، لا دارفور وحدها، لكن هذه الدعوات بقيت حبيسة الأدراج، ولم تجد طريقها إلى التنفيذ الفعلي، وما زاد الطين بلة، ما ارتكبه الجيش بعد استعادته السيطرة على بعض مناطق السودان، حيث نفذ إعدامات ميدانية وانتهاكات وحشية بحق المدنيين بتهمة دعمهم لمليشيا الدعم السريع المتمردة، المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، عبر عن فزعه الشديد إزاء هذه التقارير الموثوقة، التي كشفت عن إزهاق أرواح بريئة خارج نطاق القانون، لم تتوقف جرائم الجيش عند هذا الحد، بل استغل سلاحًا آخر لا يقل فتكًا : سلاح التجويع، تقارير الأمم المتحدة أفادت بأن أكثر من ثلاثين مليون سوداني يواجهون خطر المجاعة، يعتمدون على مساعدات إنسانية كان الجيش نفسه يعرقل وصولها إليهم، ضاربًا عرض الحائط بكل القيم الإنسانية، وفي مطلع العام الجاري، لم تجد واشنطن بدًا من فرض عقوبات على قائد الجيش، متهمة إياه بتقويض استقرار السودان وعرقلة الانتقال الديمقراطي، بيان وزارة الخزانة الأمريكية كان واضحًا وصريحًا، اتهم القوات المسلحة السودانية تحت قيادة البرهان بشن هجمات قاتلة ضد المدنيين، واستهداف البنى التحتية المحمية، والحرمان المتعمد للمساعدات الإنسانية، واستخدام تجويع المدنيين كسلاح حرب.. هنا تحضرني طرفة فليسمح لي القارئ الحصيف بأن أوجزها في هذه المساحة وبهذه العجالة وهي: في خضم هذه الأوضاع الإنسانية المتردية، قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة مساعدات إغاثية ضخمة، لكن التقارير أكدت أن الجيش كان يعرقل توزيعها في المناطق التي لا تخضع لسيطرته، بينما كانت الحقائق الدامغة تدين أفعاله، دأب الجيش السوداني على الترويج لرواية زائفة مفادها أن الأزمة هي نتاج “مؤامرات خارجية”، محاولًا تضليل الرأي العام وتحويل الأنظار عن جرائمه الموثقة، لكن الحقيقة كانت أشد سطوعًا، فقد كشفت الوثائق عن “صفقات سرية” عقدها الجيش مع أطراف إقليمية، أبرزها إيران وروسيا والصين، لتأمين الأسلحة مقابل وعود بمنحهم قواعد عسكرية وموانئ في السودان بعد انتهاء الحرب، آخر هذه الصفقات المشبوهة، ما كشفه موقع “إيران إنترناشيونال” عن شحنة أسلحة إيرانية وصلت إلى السودان عبر طائرة شحن خاضعة لعقوبات دولية، يُعتقد أنها شملت طائرات مسيّرة وصواريخ مضادة للدروع، ورغم المبادرات الإقليمية والدولية لوقف إطلاق النار، بقيادة مؤتمر جدة 2024م، قاطع الجيش السوداني معظمها، مصممًا على مواصلة تصعيده العسكري، لتدخل الحرب عامها الثالث، وتتفاقم معاناة الشعب السوداني يومًا بعد يوم، تحت وطأة دخان الكذب ونار الحرب المستعرة

The war in Sudan is entering its third year, and the suffering of the Sudanese people is worsening day by day, under the smoke of lies and the raging fire of war

وعلى قول جدتي: “دقي يا مزيكا !!”.

خروج: “رياح التجارة المتقلبة !!” أمس الأربعاء، اهتزت أروقة المال والأعمال بقرارات مفاجئة أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، لتشعل فتيلًا جديدًا في حرب الرسوم الجمركية التي تخيم على سماء الاقتصاد العالمي، فبينما كانت الأنظار مشدودة نحو مصير التوترات التجارية المتصاعدة، ألقى الرئيس الأمريكي بحجر في بركة العلاقات الاقتصادية، معلنًا عن إجراءات متضاربة حملت في طياتها بشائر انفراج مؤقت ولهيب تصعيد فوري، فقد أعلن ترمب عن تعليق مؤقت لمدة تسعين يومًا للرسوم الجمركية الإضافية “المتبادلة”، مستثنيًا بذلك دولًا عديدة من وطأة هذه الإجراءات العقابية، هذا الإعلان المفاجئ سرى كنسيم عليل على قلوب المستثمرين القلقين من تداعيات السياسات التجارية الأمريكية على الاقتصاد العالمي، فارتفعت أسهم الشركات، وارتسمت ابتسامة عريضة على مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” الذي أغلق على ارتفاع ملحوظ بلغ 9.5 بالمائة، ابتهج الرئيس بهذا الارتفاع القياسي، معتبرًا إياه يومًا سعيدًا لسوق الأسهم الأمريكية، ومتمنيًا استمرار هذا الأداء المذهل، بل وتوقع إبرام اتفاقيات شاملة بشأن الرسوم الجمركية مع جميع الدول، بما فيها العملاق الآسيوي، الصين، إلا أن هذا التفاؤل الحذر سرعان ما تبدد أمام قرار آخر اتخذه الرئيس الأمريكي، حمل في طياته نذر تصعيد خطير، فبينما كان يعلن عن نيته التوصل إلى اتفاق مع الصين، صرح بأن بكين “ليست جاهزة بعد” لذلك، مضيفًا بلهجة حازمة: “سيُبرم اتفاق مع الصين، وسيُبرم اتفاق مع كل الدول”، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن القيادة الصينية “لا تعرف كيف تفعل ذلك”، وما هي إلا لحظات حتى دوى صوت تغريدة أخرى للرئيس على منصة “تروث سوشيال”، لتكشف عن الوجه الآخر للعملة، فبلهجة تصعيدية مفاجئة، أعلن ترمب عن رفع “فوري” للرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى 125 بالمائة، مبررًا ذلك بـ”عدم احترام الصين للأسواق العالمية”، وتابع قائلًا بنبرة تحمل وعيدًا مبطنًا: “في مرحلة ما، نأمل أن يكون ذلك في المستقبل القريب، ستدرك الصين أن أيام استغلال الولايات المتحدة ودول أخرى لم تعد مقبولة”، في المقابل، سعى الرئيس الأمريكي إلى رسم صورة أكثر إيجابية لعلاقاته التجارية مع بقية دول العالم، مشيرًا إلى أن “أكثر من 75 دولة قد اتصلت بممثلي الولايات المتحدة” للتفاوض بشأن القضايا التجارية العالقة، وأوضح أن هذه الدول، بناءً على اقتراحه، لم ترد بأي إجراءات انتقامية على الولايات المتحدة، مؤكدًا بذلك على رغبته في التوصل إلى حلول ودية، وفي خضم هذه القرارات المتضاربة، أعلن ترمب عن “إذنه” بـ”وقف مؤقت لمدة 90 يومًا، وتعريفة متبادلة مخفضة بشكل كبير خلال هذه الفترة، بنسبة 10 في المائة”، على أن يسري هذا الإجراء أيضًا بشكل فوري، لم تمض ساعات قليلة على هذه الإعلانات الأمريكية حتى جاء الرد من الجانب الصيني، فقد أعلنت وزارة المالية الصينية عن قرارها برفع الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية إلى نسبة 84 بالمائة اعتبارًا من اليوم الخميس، بدلًا من النسبة المعلنة سابقًا والبالغة 34 بالمائة، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل أضافت بكين 12 كيانًا أمريكيًا إلى قائمة مراقبة الصادرات، وستة كيانات أخرى إلى قائمة “الكيانات غير الموثوقة”، لتزيد بذلك من حدة التوتر وتلقي بظلال من الشك على مستقبل العلاقات التجارية بين البلدين، وهكذا، تلاطمت أمواج التجارة العالمية بين قرارات متضاربة، تحمل في طياتها بصيص أمل مؤقت وتهديد بتصعيد وشيك، وبين تعليق للرسوم ورفع فوري لها، وبين تفاؤل حذر ولهجة تصعيدية، تبقى الأنظار مشدودة نحو المستقبل، ترقب ما ستسفر عنه هذه الرياح التجارية المتقلبة من عواقب على الاقتصاد العالمي برمته..

#أوقفوا الحرب

ولن أزيد،، والسلام ختام.

 

 [email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *