تبرير ووعد.. انتقادات لرد الحكومة السورية على العفو الدولية

ردت الحكومة السورية على الاتهامات التي وجهتها منظمة العفو الدولية، بارتكاب ميليشيات متطرفة تابعة لها بعمليات قتل وعنف ترتقي إلى “جرائم حرب” في مناطق الساحل السوري، وقالت الحكومة السورية إنها تعمل بالفعل على تحقيقات من خلال لجنة لتقصي الحقائق لمعرفة ماذا جرى في مناطق الساحل الشهر الماضي، لكنها أكدت في الوقت نفسه أنه يجب النظر إلى تسلسل الأحداث، وكيف بدأت.
ولقي رد الحكومة السورية انتقادات بالغة من مجموعات محلية، إذ أكدوا على أن منظمة العفو الدولية لم تخطئ في تقريرها، ولم تغفل سياق الأحداث كما اتهمتها إدارة الشرع.
تبرير الحكومة السورية
وقالت الحكومة السورية في بيان لها، الجمعة ٤ أبريل، إن تقرير العفو الدولية أغفل السياق الذي جرت فيه الأحداث، وقلل من أهميته، وأكدت أنها بدأت بعد هجوم مسلحين تابعين للنظام السابق على مواقع أمنية وعسكرية تخص الحكومة في اللاذقية وطرطوس، وأشارت الحكومة السورية إلى أن “الاعتداء الذي شنته فصائل النظام السابق باستهداف الأمن العام والجيش، نجم عنه غياب مؤقت لسلطة الدولة بعد مقتل مئات العناصر”.
وبررت إدارة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، أحداث الساحل السوري بشكل واضح لغياب الأمن بعد هجوم الفصائل التابعة لنظام الأسد الذي سقط في ديسمبر الماضي.
وجاء في بيان الحكومة السورية: “حدثت فوضى أمنية، تلتها انتقامات وتجاوزات وانتهاكات”، في إشارة واضحة إلى أنها غير مسؤولة عن ارتكاب كل تلك جرائم العنف والقتل والتهجير في الساحل السوري.
وعد الـ٣٠ يوما
وقالت الحكومة السورية إنها ستكشف عن نتائج التحقيقات في أحداث السوري السوري في موعد أقصاه ٣٠ يوما من تشكيل لجنة تقصي الحقائق.
وبعد ما يزيد عن أسبوعين من عمليات القتل والانتهاكات في الساحل السوري، وانتشار مقاطع الفيديو للجرائم التي وثقها المسلحون بأنفسهم ضد المدنيين العلويين، أعلن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع في ٢٥ مارس الماضي، تشكيل لجنة للتحقيق في الانتهاكات.
وفي ردها على العفو الدولية، قالت الحكومة السورية إنها بانتظار نتائج تحقيقات اللجنة الوطنية التي أخذت على عاتقها التحقيق في الانتهاكات، لإصدار النتائج في موعد أقصاه شهرا من تاريخ تشكيلها.
وقلل مراقبون من إمكانية إصدار لجنة تقصي الحقائق أي إدانات للحكومة التي شكلتها والمتهمة بشكل أساسي في ارتكاب الجرائم في الساحل السوري، سواء بقواتها التابعة لوزارة الدفاع التي كانت في الأساس تتبع هيئة تحرير الشام ذات الفكر المتطرف، أو من خلال الفصائل المتشددة المنحدرة من تنظيمات القاعدة وداعش.
انتقادات لرد الحكومة
نشرت المدونة في حسابها على موقع “إكس” ردا على ما ذكرته الحكومة السورية في بيانها للرد على منظمة العفو الدولية، وأكدت أنها أخطأت.
وجاء في تقرير العفو الدولية أن الأحداث بدأت بعد شن جماعات مسلحة تابعة للحكومة السابقة بقيادة الرئيس بشار الأسد عدة هجمات منسقة على مواقع أمنية وعسكرية في محافظتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين.
وأشارت المنظمة إلى أن بداية هذه الهجمات يوم ٦ مارس، أدت إلى موجة كبيرة من العنف، تبعتها عمليات القتل الممنهج من الميليشيات التابعة للحكومة الحالية.
وأشارت المدونة السورية إلى أن إدارة الشرع فشلت في إيجاد “عذر مخفف” للجرائم المرتكبة في الساحل السوري، ولجأت إلى حجة تم إبطالها بإعادة قراءة تقرير العفو الدولية.
ماذا جاء في تقرير العفو الدولية؟
أصدرت العفو الدولية تقريرا شاملا الخميس ٣ أبريل، طالبت خلاله بالتحقيق الفوري في مجازر الساحل السوري التي جرت الشهر الماضي في مدن اللاذقية وطرطوس، واعتبرت ما جرى هناك على أنه “جريمة حرب”.
ووجهت المنظمة الدولية اتهاما صريحا إلى الحكومة السورية، مؤكدة أن الميليشيات التي ارتكبت جرائم القتل بحق المدنيين العلويين في الساحل السوري، تابعة إلى السلطة الانتقالية الجديدة، واستهدفت عمدا أبناء الطائفة العلوية للانتقام منهم.
وطالبت المنظمة بالعمل على كشف الحقيقة كاملة فيما جرى بمدن وقرى الساحل السوري الشهر الماضي، وتحقيق العدالة بمحاسبة مرتكبي جرائم القتل على أساس طائفي بحق المدنيين.
كما شددت المنظمة الدولية على ضرورة أن تقدم الحكومة السورية تعويضات لأسر الضحايا كشروط حاسمة لإنهاء دوامات الفظائع والجرائم التي عانى منها الشعب السوري لأكثر من عقد، قبل أن تتجدد مرة أخرى في أحداث اللاذقية وطرطوس.
وقال شهود للعفو الدولية إن رجالا مسلحين كانوا يسألون المدنيين في منازلهم وفي الطرقات داخل مدن الساحل السوري عما إذا كانوا ينتمون إلى الطائفة العلوية قبل قتلهم بدم بارد عن طريق فتح النار عليهم من مسافة كبيرة، ومن خلال أعداد كبيرة من المسلحين.
وذكر شاهد للمرصد السوري لحقوق الإنسان، إن أحد المسلحين رد على نفسه بينما كان يسأل أحد ضحايا عما إذا كان ينتمي للطائفة العلوية، قائلأ: “لا يهم، ستقتل على أية حال”، وفتح عليه النار ليسقطه قتيلا على الفور.
ولم يتوقف دور العفو الدولية على رصد ما جرى في الساحل السوري من انتهاكات وجرائم قتل من خلال الأدلة والشهود فحسب، فقد طالبت بوقف هذا النوع من القتل الوحشي، والعمل من خلال الحكومة السورية على تجنب تكراره مستقبل، وذلك عن طريق إبعاد كل المسؤولين الضالعين في الانتهاكات عن مناصبهم.
وقالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنياس كالامار، إن محاسبة مرتكبي هذه الموجة المروعة من عمليات القتل الجماعي الوحشية أمرا ضروريا يجب على الحكومة السورية الحالية فعله في أسرع وقت.
وأشارت كالامار إلى أن القتل المتعمد للمدنيين والمقاتلين الجرحى الذين استسلموا وتركوا أسلحتهم، يعد جريمة حرب وفقا لكل المواثيق والقوانين الدولية، مطالبة الحكومة السورية بالالتزام بضمان إجراء تحقيقات فورية وفعالة ونزيهم ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب الدولية.
تجدد دوامة العنف
بعد أحداث الحرب التي استمرت لأكثر من عقد في سوريا، وسقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، عادت أحداث العنف ضد المدنيين على يد السلطة الانتقالية والفصائل المتطرفة التابعة لها في أحداث الساحل السوري.
وقال شهود عيان لمنظمة العفو الدولية، لم يكشفوا عن أسمائهم الحقيقية خوفا من الملاحقة الأمنية بسوريا، إن ما فعله النظام السابق، تكرر من إدارة أحمد الشرع، خاصة في عمليات القتل الجماعي، ودفن الجثث في مقابر جماعية بطريقة غير آدمية.
وتحدث الشاهد عن رؤيته لمئات الجثث تلقى في قطعة أرض فارغة، دون السماح لأهاليهم بالاقتراب أو التصوير أو توديع أحبتهم ودفنهم وفقا لشعائرهم الدينية المعتادة.
ووثق شهود آخرون رؤيتهم لعمليات إعدامات ميدانية وتصفية لأفراد من عائلاتهم وجيرانهم، في مدينة بانياس، إذ بلغ عدد الضحايا الذين شاهدوهم يسقطون ٣٢ شخص، من بينهم نساء وأطفال.
المصدر: العمق المغربي