تحرير الجيش السوداني من قبضة الإسلام السياسي : ضرورة وطنية لبناء السلام

حسن عبد الرضي الشيخ
من أجل سودان بلا عسكرة، لا بد أولًا من تحرير الجيش.
كنت قد كتبت مقالًا سابقًا أدعو فيه إلى سودان بلا عسكرة، تلك الفكرة التي ظلت تراودني منذ زمان بعيد. لكن الوصول إلى دولة مدنية بلا عسكرة يستلزم مرحلة انتقالية تُدار بحوار شفاف وجاد، نتناقش خلالها حول كيفية تحويل هذا الحلم إلى واقع. ولأن الجيش الوطني هو أحد مفاتيح هذا التحول، فإن من أولى خطوات تحقيق هذا الحلم أن نحرر جيشنا من براثن جماعة الإسلام السياسي التي كادت أن تبتلعه وتفرغه من معناه الوطني.
لقد افترست هذه الجماعة المؤسسة العسكرية، واحتجزت هذا المارد لعقود، حتى كادت، لولا عناية الله، أن تسحقه وتطمسه.
وفي ظلّ ما يشهده السودان من أزمات سياسية وأمنية متلاحقة، بان للعيان أن جماعة الإخوان المتأسلمة لا تزال متمسكة بالجيش، ترفض فصله عن مشروعها السلطوي. لقد أنفقت هذه الجماعة نيفًا وثلاثين عامًا وهي تلتصق به التصاقًا طفيليًا، “كالقرادة في جلد الجمل”.
والسؤال الذي لا بد من طرحه: متى ينفك هذا الارتباط بين الجيش وهذه الجماعة التي أنهكت البلاد؟ وكيف يمكن أن ننهض جميعًا لاستعادة جيشنا الوطني من قبضتهم بعد أن تمسكوا بمفاصله لعقود؟
نعم، يمكننا استعادة جيشنا.
نعم، يمكن أن نستعيد مؤسستنا العسكرية العريقة، ونحميها من أن تُستغل كأداة لقمع الشعب، كما حاول تيار أيديولوجي غاشم أن يفعل. لقد حاولوا أن يحوّلوا الجيش من درع للأمة إلى عصا لقمعها، خدمةً لأجنداتهم التي لا تشبع من دماء هذا الشعب العظيم.
انحراف الجيش عن حياده أفقده ثقة كثيرين.
منذ انقلاب عام ١٩٨٩م المشؤوم، بدأت علاقة بعض قادة الجيش تتماهى مع جماعة الإسلام السياسي، مما أدى إلى تآكل مكانته في قلوب الناس. بدأت المؤسسة العسكرية تُرى وكأنها جزء من سلطة الحزب الواحد، بل أداة لتمكينه، الأمر الذي أدى إلى انتشار الفساد والتمييز والانتهاكات.
لكن هذا لا يعني رفض الجيش ككل، فالشعب السوداني ما زال يكن لجيشه التقدير، ويراه رمزًا للمنعة. المطلوب ليس هدم المؤسسة، بل تطهيرها من الولاءات السياسية لتعود كما ينبغي لها أن تكون: جيشًا وطنيًا مهنيًا يحمي الشعب لا الأنظمة.
الجيش الوطني لا يعادي شعبه.
إن تحرير الجيش من الأدلجة ليس خيارًا، بل ضرورة. جيشٌ وطني يجب أن يُحترم من شعبه، وأن يكون رمزًا للوحدة لا أداة للفرقة. وهذا لا يتحقق إلا بإعادة صياغة العلاقة بين الجيش والسياسة على أسس مهنية، وشفافية، وولاء خالص لإرادة الشعب.
كيف يتم التطهير دون فوضى؟
يتطلب الأمر خطة واضحة تنفذ تدريجيًا، عبر لجنة وطنية عليا تحت إشراف مدني ورقابة دولية، تُراجع ملفات الضباط وتعتمد معيار الكفاءة والمهنية فقط. كما ينبغي دمج المؤسسات الأمنية تحت قيادة موحدة ملتزمة بالدستور، لتجنب الفوضى أو الانفلات الأمني.
ما دور القوى المدنية؟
القوى المدنية والمجتمعية يجب أن تكون شريكًا فاعلًا في إعادة بناء المؤسسة العسكرية، من خلال المشاركة في صياغة العقيدة العسكرية المطلوبة، وتعزيز الرقابة المدنية، ودعم الإصلاح عبر الإعلام، والنقابات، والمؤسسات التعليمية.
هل يمكن تحقيق هذا في ظل التحديات؟
نعم، إذا وُجدت الإرادة السياسية والدعم الدولي اللازم. يتطلب الأمر أيضًا سياسة خارجية مستقلة ترفض الزج بالجيش في حروب الوكالة، وتحافظ على قراره السيادي، ليكون عنصر استقرار لا أداةً للتدخلات الإقليمية.
هل ما زلت أحلم بسودان بلا سلاح؟
نعم، إنه حلم عزيز، لكنه ليس مستحيلًا. فالحلم جنين الواقع، كما يقولون. ومن واجبنا أن نحرس هذا الحلم إلى أن يصبح وطنًا يسع الجميع، بلا عسكرة، بلا إقصاء، وبلا دماء.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة