اخبار السودان

حين يكون غلاء المعيشة أسهل من العيش!

حسن عبد الرضي الشيخ

 

في بلادنا السعيدة التي لم يبقَ فيها شيء سعيد سوى قدرتنا العجيبة على الضحك وسط البكاء صار الغلاء فُرجة يومية. كل صباح تُعلن الأسعار النفير العام، فتصعد مثل حرارة الشمس، وتنهار معها الأحلام مثل شبكة الكهرباء. المواطن السوداني المسكين لم يعد بحاجة إلى نشرة جوية، فجيبه يخبره بحالة الطقس : دائم السخونة، مشقق، ويعاني من جفاف اقتصادي يُذكّره بالمريخ (الكوكب طبعًا، وليس الفريق، لأن هذا الأخير قد يجد من “يرعاه”)! .

 

أما البحث عن مصدر دخل، فقد صار تمرينًا وجوديًا على العبث، أشبه بمحاولة العثور على ديناصور يتمشى في شارع النيل. هناك من يحلم بوظيفة، وهناك من يحلم بوجبة، وهناك من تخلّى عن كليهما واكتفى بالحلم نفسه، لأنه لا يملك حتى ثمن النوم! .

 

وفي هذا الجو الاقتصادي “الرائع!”، يخرج علينا تجار الحروب ببشاراتهم العظيمة : “الموت أكثر شرفًا من الحياة!”، و”حرب الكرامة هي طريق النجاة!”، بينما هم أنفسهم يتشبثون بالحياة كأنها غنيمة، وينغمسون فيها حتى الثمالة … في مطاعم خمس نجوم بالقاهرة والدوحة وإسطنبول ولندن، حيث تُقدم لهم المشروبات الباردة، في حين أن المواطن المسكين يطارد إشارة الـ”واي فاي” كما يطارد طعام يومه، ليقرأ بيانًا جديدًا من أحدهم يحثه على الصبر والتضحية، موقعًا من فندق يطل على نهر السين! .

 

أما الذين صدّقوا الوهم و”عيشهم اللايفاتية في الدور”، فقد صاروا وجبة دسمة للبراميل المتفجرة والطائرات المسيّرة التي تحلق في سماء السودان أكثر من الحمام البلدي! وحين “يُحالف” الغذاء الإغاثي الحظ ليصل إليهم، يجدونه معروضًا في الأسواق أمام أعينهم وكأنهم أشباح! لا يُعترف بوجودهم إلا عندما يقرر أحد المتحاربين أن يقتلهم، عندها فقط يتذكرون أن هؤلاء بشر، وأن قتلهم يستحق بعض التصوير عالي الجودة.

 

وفي ظل هذا الخراب العظيم، يظهر كيزان السجم من مكمنهم، يتلمظون شهوة للعودة إلى الحكم، وكأنهم لم يرتووا بعد من دماء السودان العبيط! لكن يا سادتي، السودان لم يعد دولة، بل صار هيكلًا عظميًا! فهل يريدونه مرقًا، أم مجرد قطعة تذكارية في متحف “الأمم التي كانت ذات يوم”؟! .

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *