اخر الاخبار

اغتصاب الأرض وتشريد شعب تحت سمع العالم وبصره

أمد/ في قلبِ الشرق الأوسط حيث تلتقي السماء بالأرض، وتاريخ الحضارات بالإنسان، تقف قضية فلسطين شاهداً أبدياً على صراعٍ لم يُحسم بعد… صراعٌ بين حقٍ تاريخيٍ لأصحاب الأرض، ومشروعٍ استعماريٍ غريبٍ يُدعى “الكيان الصهيوني” الذي قام على أنقاض الشعب الفلسطيني مُغتصباً أرضهُ، مُشرداً أهله، ومُحولاً حياة الآلاف إلى مأساةٍ يوميةٍ تحت سمع العالم وبصره… هذا الكيان الذي يُقدم نفسه كـ”دولة يهودية” لم يكن إلا نتاجاً لفكرةٍ سياسيةٍ استعماريةٍ تعتمد على أسسٍ دينيةٍ مُحرَّفة، ودعمٍ غربيٍ مُطلق، خصوصاً من الولايات المتحدة الأمريكية التي جعلت من هذا الكيان حليفاً استراتيجياً في منطقةٍ تعج بالصراعات.

فكرةٌ سياسيةٌ بثوبٍ ديني

الصهيونية كحركةٍ سياسيةٍ حديثةٍ ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر مُتخذةً من الدينِ اليهودي غطاءً لتحقيقِ أهدافها التوسعية، فبينما تدعو الأديانُ السماويةُ الأخرى إلى التعايش والسلام، وتنتشر أتباعها في دولٍ عديدةٍ دون أن تسعى لإنشاء كياناتٍ سياسيةٍ على أساسٍ ديني نجد أن الصهيونية استخدمت الدين اليهودي كأداةٍ لتبرير إنشاء دولةٍ لليهود في فلسطين! هذه الفكرة التي تُعدُّ انحرافاً عن جوهر الأديان السماوية تحولت إلى مشروعٍ استعماريٍ يقوم على اغتصاب الأرض وتشريد الشعوب.

فالدين اليهودي كغيره من الأديان لم يُخلق ليكون أداةً سياسيةً أو لإنشاء دولٍ قومية… لكن الصهيونية بدهاءٍ سياسيٍ حوَّلت هذا الدين إلى أيديولوجيا توسعيةٍ مدعيةً أن فلسطين هي “أرض الميعاد” التي وعد الله بها اليهود! هذا الادعاء الذي لا يستند إلى أي أساسٍ تاريخيٍ أو دينيٍ مقنع أصبح ذريعةً لاحتلال الأرض الفلسطينية وتهجير شعبها.

مأساةٌ إنسانيةٌ تحت سمع العالم وبصره

منذ بداية المشروع الصهيوني تم تشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين من ديارهم، وتحولت قُراهم ومُدنهم إلى أنقاض، فالنكبة الفلسطينية عام 1948 كانت بدايةً لمأساةٍ إنسانيةٍ مستمرةٍ حتى اليوم، حيثُ تم تدمير أكثر من 500 قرية فلسطينية، وتم تهجير ما يزيد عن 750 ألف فلسطيني من أرضهم، ليتحولوا إلى لاجئين في مخيماتٍ بائسةٍ في الدول المجاورة.

والأمر الأكثر إيلاماً هو أن هذا التشريد تم تحت سمع العالم وبصره! فالدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لم تكتفِ بالصمت بل قدمت دعماً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً غير محدود للكيان الصهيوني، هذا الدعم الذي يُعدُّ أحد أركان السياسة الخارجية الأمريكية جعل من الكيان الصهيوني قوةً عسكريةً مهيمنةً في المنطقة قادرةً على تنفيذ جرائمها دون أي محاسبةٍ دولية وبغطاءٍ أمريكي.

سياسةٌ مزدوجةُ المعايير

الغرب الذي يدعي الدفاع عن حقوقِ الإنسانِ والديمقراطيةِ يُمارس سياسةً مزدوجةً عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية! فبينما يُدين انتهاكات حقوق الإنسان في دولٍ أخرى نراه يُغض الطرفَ عن جرائم الكيان الصهيوني بل ويُقدم له الدعم الكامل… هذا التناقض يُظهر أن الدعم الغربي لهذا الكيان ليس مبنيّاً على مبادئ أخلاقيةٍ بل على مصالح سياسية واستراتيجية.

فالولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص لعبت دوراً محورياً في دعم الكيان الصهيوني منذ تأسيسه، فبالإضافة إلى الدعم المالي والعسكري استخدمت حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن مراراً وتكراراً لحماية الكيان الصهيوني من أي إدانةٍ دولية، هذا الدعم غير المحدود جعل من الكيان الصهيوني دولةً فوق القانون قادرةً على تنفيذ سياساتها التوسعية دون أي اعتبارٍ للشرعية الدولية.

بين الكراهية والاستغلال

عند الحديث عن ذلك الكيان البغيض لا يمكن إغفال النظرة التاريخية التي كانت لدى الزعيم النازي أدولف هتلر تجاه اليهود، فبينما يُعتبر هتلر أحد أبرز الشخصيات التي مارست اضطهاداً عنيفاً ضد اليهودُ إلا أن هُناك من يرى أن سياساته كانت تُخدم بشكلٍ غير مباشرٍ الأهداف الصهيونية، فالهولوكوست الذي راح ضحيته ملايين اليهود أصبح لاحقاً شماعةً وأداةً يستخدمها الكيان الصهيوني لتبرير وجوده ودعمه الدولي.

فهتلر الذي رأى في اليهود عدواً يجب القضاء عليه لم يكن يُدرك أن سياساته ستُسهم في خلق تعاطفٍ عالميٍ مع اليهود، وبالتالي تسهيل إنشاء دولةٍ لهم في فلسطين! فقد استخدم الكيان مأساة الهولوكوست كذريعةٍ لتبرير احتلاله لفلسطين مدعياً أن اليهود بحاجةٍ إلى وطنٍ آمنٍ بعد ما عانوه في أوروبا ولو على حساب شعبٍ استقبلهُ عندما نبذهم العالم.

صراعٌ لم ينتهِ بعد

وقضيةُ فلسطين ليست مجرد صراعٍ على الأرض بل هي صراعٌ بين الحق والباطل، بين العدالة والظلم، وبين الإنسانية واللاإنسانية… فالكيان الذي قام على أساسٍ عنصريٍ واستعماريٍ لا يُمكن أن يكون حلاً لمأساة اليهود بل هو استمرارٌ لمأساةٍ جديدةٍ تُعاني منها الشعوب العربية وخصوصاً الشعب الفلسطيني.

وستظل فلسطين بترابها المقدس وشعبها الصامد رمزاً للنضال والحرية في وجه الغطرسة الصهيونية مهما بلغت قوته ودعمه الدولي، ولن يتمكن من طمس حق الشعب الفلسطيني في أرضه وكرامته، فالتاريخ يُعلمنا أن الظلم لا يدوم، وأن الشعوب التي تُكافح من أجل حريتها ستنتصر في النهاية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *