الجزائر لن تخضع لفرنسا والأزمة ستستمر حتى 2027

قال وزير الإعلام والثقافة الأسبق، الدبلوماسي عبد العزيز رحابي، إن الجزائر قادرة على مجابهة الضغوط الفرنسية، مؤكدا رفضها الرضوخ للغة التهديد بخصوص ملف الهجرة.
وأفاد رحابي في ندوة متبوعة بنقاش، احتضنتها المنظمة الوطنية لأبناء الشهداء بمقرها الوطني بالعاصمة، سهرة أمس، إن الجزائر التي تعيش في فضاء جيوسياسي مضطرب ومرت بعمليات انتقال سياسي عنيفة باستثناء فترة الحراك الشعبي، اكتسبت قدرة على تحمّل ومواجهة الضغط.
وفي رأيه، فإن فرنسا “لا تملك أوراق ضغط على بلد مثل الجزائر يملك اكتفاء ذاتيا”، معتبرا التلويح بورقة الممتلكات أو ملف جوازات السفر الدبلوماسية لا يغيّر المعادلة، وأن مخاوفه من أن تجرّ فرنسا أوروبا معها في خلافها مع الجزائر، تبددت بسبب حسابات المصالح بين الدول الأوروبية.
وأضاف رحابي الذي كان يتحدث في الندوة التي احتضنها مقر المنظمة الوطنية لأبناء الشهداء، معلقا على إعلان السلطات الفرنسية إرسال قائمة بأسماء أشخاص ذوو أولوية (خطيرين)، أنه يتوقع رفض معاملة الرعايا الجزائريين بهذه الطريقة، وأن القناصلة الجزائريين “لن يرضخوا للضغط المسلّط عليهم من قبل السلطات الفرنسية لتسليم تراخيص المرور القنصلية، لأن مهمتهم حماية هؤلاء الرعايا وليس طاعة وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو”.
وتابع “لن ترخص السلطات الجزائرية بدخول أي رعية مبعد لا يحمل أي وثيقة هوية جزائرية أصلية”. ولفت الدبلوماسي السابق الذي شغل منصب مكلف بحماية الجالية الجزائرية في وزارة الخارجية، إلى أنه منذ ثمانينات القرن الماضي كانت التوجيهات المقدمة للبعثات القنصلية، هي الحرص على استنفاذ الأشخاص الصادرة في حقهم أوامر الإبعاد القضائي، إجراءات الطعن المتاحة (الإدارية والقضائية) قبل الموافقة على ترحيلهم.
وعبر رحابي عن قناعته بأن الأزمة الحالية لا تعتبر الأخطر في تاريخ العلاقات الجزائرية الفرنسية منذ 1962. وبرأيه فإن أسوأ مرحلة مرت بها العلاقات الثنائية هي فترة صدور قانون تأميم المحروقات في 1971 (فرضت فرنسا حصارا على الجزائر)، ثم أزمة السبعينات التي شهدت استهداف المصالح الجزائرية بمرسيليا وسقط فيها قتلى وجرحى، ثم طلب الرئيس الفرنسي الأسبق جيسكار ديستان في مطلع الثمانينات، ترحيل 30 ألف جزائري مقيم نظاميا، وهو قرار أحدث ارتباكا لدى السلطات الجزائرية لصعوبة استقبال هذا العدد من الرعايا وعائلاتهم في وقت واحد. واستحضر أيضا الأزمة التي ترتبت على رفض الرئيس الفرنسي جاك شيراك (19942007) لقاء الرئيس اليمين زروال (19941999) على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في حضور وسائل الإعلام (رفض الجانب الجزائري الشرط الفرنسي وألغى المقابلة)، ونبّه إلى أن الفرق بين الأزمة الحالية وسابقاتها هو التغطية الإعلامية المخصصة لها.
اليمين لم يتغير
وحسب تحليله، فإن المواقف التي يبديها اليمين الفرنسي تجاه الجزائر والتركيز السياسي على الجالية الجزائرية ـ ليس جديدا، فهي لم تتغير منذ 1962، فطيلة مرحلة حكم اليمين لغاية 1981 كانت كلها أزمات.
وأضاف أن ملف الهجرة الجزائرية إلى فرنسا جرى تسييسه وتحوّل إلى ورقة انتخابية لاستقطاب أصوات الناخبين، وأن هذا الوضع سيستمر لغاية الانتخابات الرئاسية المقبلة. فالرئيس الفرنسي الحالي حسب تصوّره لم يعد سلطة (تأثير) على الطبقة السياسية. وشرح قائلا “إن نقطة التحول في هذا الملف، هي إدراك النخب السياسية من تيارات اليمين والوسط، وأن ملف الهجرة يمكن أن يوصلها للسلطة، وأوضح قائلا: “مشكلتنا مع اليمين وليس مع فرنسا”.
وتمسك رحابي بطرحه القائل بأن اتفاقية الهجرة 1968 التي أفرغت من محتواها، صارت مكلفة كثيرا بالنسبة لصورة الجزائر في الخارج، وإن إلغائها لن يضرّ الرعايا الجزائريين كثيرا رغم الامتيازات القليلة التي تمنحها لهم في مجال الإقامة وممارسة النشاط التجاري. وقال إن تنصّل الجانب الفرنسي منها، سيجعل من الرعايا مشمولين بالقانون العام الفرنسي المنظم للهجرة. وتساءل هل نترك اتفاقا يضبط مستقبل العلاقات الجزائرية الفرنسية أو نعالجه في إطار شمل؟ وتوقّف رحابي عند الطريقة التي تدير بها السلطات الفرنسية أزمة الهجرة مع الجزائر، مسجلا غياب الدبلوماسية الفرنسية مقابل حضور الإداريين. واعتبر أن منح بلد مهلة لبلد آخر والتلويح بإجراءات انتقامية، لا يحدث إلا في الحروب، في تعليق على ما صدر عن الوزير الأول الفرنسي فرانسوا بايرو، إمهال الجزائر ستة أسابيع وإلا ستكون تحت طائلة عقوبات إضافية، زيادة على تقييد دخول حاملي جواز السفر الدبلوماسي إلى التراب الفرنسي، فيما كان يكفي توجيه مذكرة رسمية لطلب إعادة الاتفاقية.
ولاحظ في هذا السياق، أن معدل استجابة الجزائر لطلبات الترحيل محترم، حيث استقبلت 3000 مبعد من أصل 6000 معني بقرار الإبعاد في 2024، كما احترمت سابقا كل الاتفاقيات الموقّعة مع فرنسا، بما فيها اتفاقيات إيفيان، التي تتضمن بنودا متعلقة بالأمن والدفاع، فيما تنصّلت فرنسا من عديد الاتفاقيات.
وتوقف عند رفضها التعاون مع الجانب الجزائري لاسترجاع الأموال المهربة، وقال “فيما تجاوبت دول مثل إسبانيا وسويسرا وألمانيا مع الطلبات، لم تتفاعل فرنسا مع 89 إنابة قضائية صادرة عن القضاء الجزائري”.
ولا يستبعد رحابي بلوغ العلاقات بين البلدين مرحلة القطيعة، مبيّنا أن استمرار هذا التصعيد، لا يساعد لا على تعيين سفير جديد للجزائر لدى باريس، ولا المبادرة بالإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال.
وتساءل رحابي عن حرمان الجزائر لنفسها من لعب أوراق، وخصوصا المتعاملين الاقتصاديين الذين استفادوا من صفقات بالملايير في السوق الجزائرية، ومنهم مصدّري الحبوب (للضغط على متخذي القرار في فرنسا لتحسين سلوكهم).
بالمقابل شدد رحابي على ضرورة ممارسة النقد الذاتي في الجزائر لبعض الخيارات التي اعتمدت مع فرنسا والآثار السياسية والدبلوماسية المترتبة على سفر الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة إلى فرنسا للعلاج واجتماعه بالحكومة هناك، حيث تحولت إلى ورقة ضد الجزائر في فرنسا. مبرزا أن الجزائر في حاجة إلى إصلاح عميق لقطاع الإعلام وخصوصا السمعي البصري لإسماع صوت الجزائر للخارج والتأثير في الجالية.