كتاب الأمير وسياسات اليوم

أن تكون سياسيا قادرا على التلاعب بعقول الآخرين فما عليك إلا أن تتبنى وبحرص شديد أفكار مؤسس النفعية التي لا تؤمن بالأخلاق .عليك بقاعدة طالما استغلت من طرف كل من يميل نحو السيطرة والتحكم والهيمنة ،إنها قاعدة صاغها المؤرخ الإيطالي ماكيافيلي صانع الاستبداد بطريقة ذكية وماكرة وتستند للقوة .تقول القاعدة ” الغاية تبرر الوسيلة ” .يمكن وصف بالمبدأ الذي عليه مناط الحكم والسيطرة .هذا المبدأ يقوم على فكرة أن صاحب الهدف باستطاعته أن يستخدم الوسيلة التي يراها صالحة له دون قيد أو شرط مسبق. قاعدة تعتبر بحق النواة الأولى التي ينطلق منها كل سياسي مستبد ،إذ يضعها نصب عينه ويتبناها لتبرير ممارساته وسلطته ورؤيته مهما كانت طبيعتها. ومن طرق الميكيافيلية استخدام القوة ،بل يتحتم على السياسي تفعيل هذه الالية لضمان الاستمرار ولإثبات نجاحه .ويمكن للسياسي أو القائد الذي يقود جماعة ما كحزب أو نقابة أن يوظف العنف بكل أشكاله ولاسيما العنف الرمزي لما له من تأثير بالغ وقدرة على السيطرة والتحكم .
تكمن أهمية مبادئ ميكافيلي أنها تستخدم حتى من طرف خصومه ،فهذا الملك البروسي فردريك الكبير أشهر معتنق لافكار ميكافيلي حارب ميكافيلي بحماسة متخفية. فقبل تسلمه السلطة تهجم علي ميكافيلي في رسائله التي كان يبعثها الي الفيلسوف والاديب الفرنسي فولتير وذلك جريا علي عادة ملوك وامراء اوروبا الذين كانوا يحاولون اظهار انفسهم متشبعين بقيم عصر التنوير. وفي السنة التي تسلم فيها الحكم الف فرديرك كتابا عنونه” ضد ميكافيلي” والذي وصف فيه ميكافيلي كـ مدافع عن الجريمة وكأحد خوارق الشيطان Cetavocatcrime Cetoraclede وقد ذكر فردريك في الكتاب نفسه ان ميكافيلي يستهدف من آرائه اقامة حكومة مستعدة لإثارة القلاقل .لكن التاريخ يؤكد على أن فريدريك طبق الميكيافيلية مدة حكمه التي دامت أكثر من أربعين سنة .
اهتمت النازية الألمانية بكتاب ” الأمير ” رغم إظهار التجاهل في بداية بروزهم. اهتمام نازيو ألمانيا والفاشيين بايطاليا من منطلقات ضيقة وقد نجحوا في قولبة أفكاره تماشيا مع رغباتهم السياسية .وقد كان حرص موسوليني كبير بالكتاب حتى قدمه كبحث لنيل الدكتوراه .كما لوحظ اهتمام هتلر بكتاب الأمير وجعله سندا له في طريقة حكمه .
في عصرنا الحالي ومع تصاعد موجات العنف والاستبداد ،نطرح سؤالا ،هل برر ماكيافيلي العنف ؟ طبعا الجواب سيكون بالايجاب فعند قراءتنا لرسالة الأمير سندرك تماما حضور العنف لكنه كإستثناء، إذ لم تنفع الأساليب الخفية والرمزية وكذا الأساليب الكيدية أو يسميه ابن خلدون ” تتبع عورات الناس”.
ترامب ماكيافيليا
في حملته الانتخابية لرئاسيات البيت الأبيض، لخص ترامب سياسته الجديدة في مشروع يقوم على انتقاد سياسات الديمقراطيين. تتلخص هذه الاستراتيجية في ؛ من يدفع أكثر يتم حمايته ،السلام مقابل المال ،لا صداقة تدوم إلا إذا كانت في مصلحة الأمريكيين. لم يكتفي ترامب بالاطلاع على كتاب الأمير، بل وجد ضالته فيه وسعى لتطبيق بنوده مع إضافة مستملحات ترامب التي أعاد صياغتها من جديد لتلاءم تطلعاته مابعد غزو روسيا لاوكرانيا .وقد بين مكيافيليته عندما طالب الرئيس الاوكراني بدفع المال مقابل مواصلة الدعم الأمريكي.
وفي الضفة المقابلة للولايات المتحدة الأمريكية كان بوتين سعيدا بضمه لجمهوريات سابقة للاتحاد الروسي .حلمه الإمبراطوري وجده في ثنايا كتاب الأمير. فإستعماله للقوة واستثماره للتناقضات السياسية التي تعيشها أروبا لم تكن الا جزءا من وصايا الأمير لسيد الكرملين .
واخيرا كلما تغير العالم ،وجدنا كتاب الأمير يتجدد بدعوته إما للسيطرة والتحكم بقوة الأسد وإما بإستثمار المكر والحيل للابقاء على القوة والنفوذ.
* كاتب وباحث مغربي
المصدر: العمق المغربي