منهاج القرن 21: التعليم الأساسي لعالم متغير

هذا عنوان كتاب من تحرير هايدي هايز جاكوبز، ونقلته إلى العربية نيفين الزاغة، الطبعة الأولى 2015. تضمن مقدمة وثلاثة عشر فصلا. يطرح الكتاب إشكال المنهاج. عنوانه الأكبر لأي مرحلة نعد المتعلمين الذين بين أيدينا للحاضر أم للمستقبل؟ كيف ندبر تعليما في عالم متغير؟ هل يمكن الاستعانة بالمناهج القديمة الناجحة في المساهمة في حل هذه الإشكالات؟
أمام هذه التحديات تم التأكيد على ضرورة تجديد وتحديث المناهج. لأن الأوساط التعليمية اليوم في غالبها تشكو أعطابا على مستوى الآليات والمهارات. إلا أنه يطرح سؤال الكيف؟ كما انصب الاهتمام على إشراك الفئات المستهدفة في بلورة القرار التعليمي والتربوي في إطار مبدأ التشاركية. بذلك ينمو الإبداع مع استحضار روح العصر.
لقد تم تنويع المقاربة باستحضار حوالي عشرة خبراء في مجال التربية للإدلاء بدلوهم في الموضوع حتى تستكمل الصورة، وتتعدد زوايا النظر. ويمكن إيجاز اقتراحاتهم فيما يلي:
اعتماد البعد الرقمي في تطوير الحصول وتداول المعلومة.
إضفاء البعد العالمي على المناهج تطويرا للابتكار والإبداع.
استحضار المتعة في العملية التعليمية والألفة التي ترفع الكلفة، مع تعزيز آلية المكافآت تشجيعا للمنافسة.
استثمار القنوات الإعلامية الإقليمية والدولية في تعميم التجارب النوعية من أجل الاستفادة وتوظيفها مع احترام المناخ الذاتي.
ضبط آليات التقويم والتقييم باعتماد مؤشرات موضوعية حتى نتقدم في الإنجاز والعطاء والمردودية.
إعطاء البعد الاستمراري للمنظومة التعليمة والاجتهاد في تجسير التواصل التربوي العالمي مما يعطي للواقعية معنى. لأن المتعلم أثناء حياته المهنية سيتوقف على أن القضايا المطروحة في العالم لا تحل إلا بتوافقات دولية بذلك يتوسع أفق النظرات المستقبلية وتنمو معه المعلومة المتناغمة مع الواقع العالمي المعيش.
الاجتهاد المضاعف في رسم معالم مبدأ التكاملية والالتقائية بين المناهج، حتى لا يكون البون شاسعا جدا بين الأطراف العالمية. وبذلك يصبح التعليم عاملا استراتيجيا ومساهما في بسط معالم الأمن والاستقرار الذي بدونه تتعثر التنمية.
يمكن تنويع مصادر التعلم بين المعلم والمتعلم، خاصة وأن الطرفين يمثلان أجيالا مختلفة من خلال استراتيجية تواصلية بينهما، بذلك نؤسس للألفة التي تجنبنا الاضطرابات التي غالبا ما تتفاقم على مستوى العلاقات.
إن هذه الاقتراحات تبدو بسيطة وفي المتناول والحقيقة أن الأمر يحتاج إلى مجهودات كبيرة وتعاون علمي وتضامن معرفي وتواضع فكري. لأنه كلما عولجت تحديات إلا وظهرت تحديات أخرى. لذلك دعت المؤلفة إلى الاستعانة بالأبعاد الروحية والإنسانية والنفسية. لأن للعقل عادات عنوانها الأكبر الخبرة والحكمة. معتمدين على نقاشات وحوارات مستمرة تستهدف المساهمة في وضع حلول عملية للتحديات المطروحة بكل تضحية وإخلاص وتواضع، من خلال بلورة تخطيط استراتيجي طويل الأمد، يربط بين المنهاج والمردودية المباشرة على المتعلم.
من أجل التوسع فيما ذكر تناول الكتاب قضايا متعددة نوجز بعضها فيما يلي: المراجعة الدائمة لتجديد المنهاج، بناء على مهارات التقويم والقياس، وتحديث المحتوى، وتشجيع الإبداع والابتكاروالرقمنة، وجعل التعليم مغريا ومرغوبا فيه، وربط عمل المعلم بالمتعلم، والنظرة إلى مستقبل دائم، والتأقلم مع الدورات الحضارية المتحولة.
يركز الكتاب في الأخير على خلاصات ليست نهائية لأنها عبارة عن تساؤلات باعتبار موضوع التربية والتعليم موضوعا فلسفيا مرتبطا بالتصور والرؤية قبل الخوض في البرامج. كما يمكن اعتماد التجارب عن طريق تبادل الطاقم التربوي عبر العالم مع التركيز على تعلم اللغات لأن تحديد لغة التمدرس مع الانفتاح على اللغات الأخرى خيار استراتيجي لا مناص منه من أجل تطوير منظومة التربية والتعليم باعتبار أن اللغة حمالة أفكار الهوية ووعاء للتاريخ واستشراف للمستقبل.
إن الكفاية والقيادة في ظل العالمية مرتبطة باستحضار التنوع والفرص والتحديات. دون أن ننسى أهمية الإرادة السياسية في صناعة التغيير والنماء التربوي والتعليمي، إضافة إلى تأهيل موارد بشرية عالمة، أنذاك سنحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. كل هذا يضبط إيقاع السلم والأمن بالعالم.
بالرجوع إلى واقع التربية والتعليم بالمغرب نطرح مجموعة من الأسئلة: هل التربية قبل التعليم أم العكس أم هناك جدلية؟ هل حددنا أصول التربية والتعليم أم أننا نتخبط في التجارب؟ هل يعيش المغرب معضلة على مستوى إصلاح التعليم؟ هل الإصلاحات المتتالية للمنظومة حققت المقاصد الكبرى أم أن الضعف هو سيد الميدان؟ هل يمكن توصيف التجارب المغربية في الإصلاح بالفشل؟ هل نحن في طريق الجودة والحكامة أم أن الوضعية محرجة؟ هل فعلا لمنظومتنا معنى تضمن مستقبلنا؟ هل أنتجنا نموذجا أو نماذج إصلاحية للتعليم أم أن الوضعية مقلقة؟ هل أزمة التعليم بالمغرب مرتبطة بشح الأفكاروالقوانين أم في عملية التنزيل؟
خلاصة القول التعليم من حقوق الإنسان الأساسية، لأنه أساس التنمية وبناء الدول والمجتمعات. فهو نواة مركزية تعتمدها كل التيمات الأخرى. به يرقى الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة والعالم. لذلك الاستثمار فيه يجب أن يتخذ الأولوية. لأنه يساهم بشكل كبير في الإنتاج والاندماج. إنه في تواصل دائم مع الثقافة والحضارة. إذن هل يمكن تحقيق كل ما ذكر دون دمقرطة القرار السياسي؟
المصدر: العمق المغربي