انعقاد أول امتحان للشهادة المتوسطة بولاية القضارف وفي ظل الحرب

جعفر خضر

نسبة النجاح 69% في أول امتحان شهادة التعليم المتوسط بولاية القضارف

أكثر من ثلث طلاب المرحلة المتوسطة تسربوا ولم يتقدموا لامتحان الشهادة

محلية الفشقة تحقق المركز الأول ومدينة القضارف تستأثر بالأوائل

انحياز التعليم للأغنياء

أعلنت الثلاثاء الأول من أمس (13 مارس 2025م) نتيجة الشهادة المتوسطة للعام 2024م، التي تنعقد للمرة الأولى بولاية القضارف.

إن هذه الدفعة التي امتحنت (والتي تليها) عبرت الى المرحلة المتوسطة بدون الخضوع لامتحان الشهادة الابتدائية. وجدير بالذكر ان كتب المنهج الجديد للصف الثالث متوسط لم تتوفر إلا بعد البداية المتأخرة للعام الدراسي، وكان سعرها في السوق غاليا، إذ كانت حرب مليشيا الدعم السريع على الشعب السوداني في أوجها. لقد تمت طباعة وتدريس منهج الصف الثالث متوسط للمرة الأولى هذا العام، في إطار تغيير المنهج الذي يتم بالتدريج. ويكون بذلك قد اكتمل المنهج الجديد في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة. وسيكون تحدي العام المقبل هو طباعة وتوفير منهج الصف الأول في المرحلة الثانوية.

. وقد تسبب تأخر العام الدراسي في قلق كبير وضغط نفسي على التلاميذ والأسر، التي لم يكن في متناولها تعليم أبنائها خارج الوطن؛ لذلك فإن انتظام العام الدراسي وانعقاد امتحان الشهادة المتوسطة مثل راحة نفسية كبيرة للمواطنين.

تسرب التلاميذ :

بلغ جملة عدد المتقدمين لامتحان شهادة التعليم المتوسط بولاية القضارف للعام 2024م بلغ 22,566 تلميذا وتلميذة، يمثلون ثلثي الذين تقدموا لامتحان الشهادة الابتدائية لهذا العام. وبلغت نسبة الغياب عن الامتحان من جملة المتقدمين قرابة ال 4%.

إن تلاميذ وتلميذات الصف الثالث متوسط نظامي الذين تقدموا لامتحان هذا العام بلغ عددهم 21,573 تلميذا وتلميذة، بما فيهم المتقدمين للامتحان من النازحين. لكنهم عندما كانوا في الصف السادس في العام 2021م كان عددهم 37,807 (حسب الكتاب الإحصائي 2021م)، ولما ولجوا إلى الصف الأول متوسط، بدون امتحان شهادة ابتدائية، في العام 2022م كان عددهم 35,586 (حسب الكتاب الاحصائي 2022م)؛ مما يعني أن أكثر من ثلثهم ( 14 ألف) قد هجروا المدارس في السنتين الأخيرتين، أو السنة الاخيرة!! .

وقد حدث هدر مماثل في السنتين الاخيرتين للمرحلة الابتدائية.

ربما يفسر هدر المرحلة المتوسطة جزئيا أن العام الدراسي بدأ في يونيو، أي في بداية فصل الخريف. وهذا هو التوقيت الذي ظلت محليات القضارف تغلق فيه مدارسها، إذ أنها ضمن تقويم ما كان يعرف بالمجموعة “ب” التي تغلق ابوابها في الخريف لتتيح للتلاميذ الانخراط في الزراعة مع ذويهم، وهؤلاء يمثلون أكثر من نصف مدارس الولاية وتلاميذها؛ يتوقع أن يكون هذا قد تسبب في إحجام أعداد مقدرة من التقديم للامتحان.

كما يمكن تفسير نقصان عدد الممتحنين الى لجوء الكثير من أسر ولاية القضارف إلى العواصم الأفريقية والعربية بحثا عن التعليم الذي توقف بسبب الحرب لفترة طويلة من الزمن؛ غير أن ولاية القضارف ظلت في ذات الوقت مركز نزوح، فقد استقبلت نازحين من ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار، والذين امتحن الكثير من أبنائهم من ولاية القضارف.

نسبة النجاح :

لقد بلغت نسبة النجاح العامة 69.3%. وبلغت نسبة النجاح نظامي 70.7%. وهي نسبه أفضل مقارنة بنتيجة الشهادة الابتدائية بولاية القضارف التي اعلنت مؤخرا، والتي بلغت نسبة النجاح فيها 51.7%؛ ولكنها نتيجة ضعيفة مقارنة بنتيجة شهادة المرحلة المتوسطة بالولاية الشمالية التي بلغت نسبة النجاح فيها 97.9%.

ولكن تعتبر النتيجة جيدة اذا وضعنا في الاعتبار الحرب، وقصر العام الدراسي الذي بدأ في يونيو 2024م وانتهى في فبراير 2025م، كما أنه امتحان الشهادة المتوسطة الأول، بالإضافة إلى تردي البيئة المدرسية وأوضاع المعلمين الاقتصادية السيئة.

النتيجة حسب النوع :

إن تقرير المؤتمر الصحفي لنتيجة شهادة التعليم المتوسط لا يوفر نسبة نجاح البنين والبنات كل على حدة.

لكن عدد البنات المتقدمات لامتحان الشهادة الابتدائية في الولاية أكبر من عدد البنين، بفارق 4064 .

ونجد ان عدد مدارس البنات الأوائل حسب نسبة التحصيل 12 مدرسة، مقابل 8 مدارس بنين؛ بيد أن الأولاد تفوقوا في قائمة الأوائل إذ أن هنالك 20 في القائمة مقابل 18 بنت. .

لكن عدد البنات اللائي أحرزن الدرجة الكاملة أكثر من الأولاد في كل المواد عدا التربية المسيحية.

محلية الفشقة الأولى :

جاءت محلية الفشقة في المركز الأول بنسبة التحصيل والنجاح معا، فقد حققت نسبة تحصيل 65.5% ونسبة نجاح 85.2%.

تلتها محلية الفاو في المركز الثاني بنسبة التحصيل والنجاح معا.

تليهما في المركز الثالث والرابع والخامس من حيث نسبة التحصيل بالترتيب : بلدية القضارف، محلية ريفي وسط القضارف، البطانة. أما من حيث نسبة النجاح فان المركز الثالث من نصيب وسط القضارف، ثم البطانة، ثم بلدية القضارف.

وجاءت في المركز السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر، من حيث نسبة التحصيل، على التوالي: الرهد، المفازة، قلع النحل، القلابات الغربية، القلابات الشرقية؛ اما من حيث نسبة النجاح فإن ترتيبهم يكون كما يلي: قلع النحل، المفازة، القلابات الغربية، الرهد، القلابات الشرقية. .

وتذيلت محليتا القريشة وباسندة القائمة بنسبة التحصيل والنجاح معا. فقد احتلت محلية باسندة المركز الأخير بنسبة تحصيل 50.1% ونسبة نجاح 51.6%.

الفوارق التعليمية بين الفشقة والقضارف:

رغم أن محلية الفشقة قد جاءت الأولى من حيث نسبة التحصيل (65.5%) ونسبة النجاح (85.2%)، إلا أنها لم تحصل على أي مقعد في المدارس الأوائل او التلاميذ الأوائل، مما يشير إلى قلة التباين بين مدارس المحلية وتلاميذها مقارنة بالمحليات الأخرى، بمعنى ان هنالك تقارب في المستوى الأكاديمي لمدارس وتلاميذ المحلية.

بينما نجد أن بلدية القضارف التي جاءت في المركز الثالث من حيث التحصيل بنسبة 63.3% وفي المركز الخامس من حيث نسبة النجاح بنسبة 72.5% استأثرت بالمقاعد الأولى في قائمة المدارس والتلاميذ. إذ ان 13 من المدارس الأوائل، حسب نسبة التحصيل، من جملة العشرين الأوائل تقع ببلدية القضارف بنسبة 65%، منها 10 مدارس خاصة، و3 حكومية؛ مما يشي بفوارق تعليمية كبيرة بين مدارس البلدية، لعبت فيها المدارس الخاصة دورا واضحا، يكشف ان المقتدرين ماديا بالبلدية لهم حظوة اكبر في التعليم مقارنة بالفقراء.

إن المدارس الخاصة في كل الولاية تتبع إداريا لوزارة التربية، ولا علاقة لها بالمحليات البتة. ولكن أغلب المدارس الخاصة تقع جغرافيا في بلدية القضارف، مما يجعل البلدية تستفيد من هذا الوضع في تحسين نتيجتها دون أن تبذل اي جهد. وربما تسبب ذلك في ضعف الجهد المبذول، من مكتب تعليم البلدية، لتحسين أداء المدارس الحكومية.

حازت محلية الفاو على 5 من المدارس الأوائل، جميعها حكومية، تمثل 25% من المدارس الأوائل. ومدرسة واحدة بمحلية القلابات الغربية، وأخرى بمحلية القلابات الشرقية بنسبه 5% لكل. وغابت بقية المحليات، بما فيها محلية الفشقة الأولى، عن قائمة المدارس الأوائل .

كما نجد عدد 32 من التلاميذ والتلميذات الأوائل قد امتحنوا من بلدية القضارف (من جملة 38) يمثلون 84%. بينما هنالك 3 من محلية ريفي وسط القضارف ويمثلون 8%، و2 من محلية الفاو يمثلون 5%، وعدد 1 من محلية الرهد بنسبة 3% ، وغابت بقية المحليات عن المنافسة.

إن كان التعليم منصفا فإن بلدية القضارف التي بها 40% من التلاميذ المتقدمين للامتحان وقرابة هذه النسبة من الجالسين فعليا كان ينبغي أن يكون منها نفس هذه النسبة من المدارس الأولى ومن التلميذات والتلاميذ الأوائل. ولكن البلدية بها 65% من المدارس الأوائل؛و84% من التلاميذ والتلميذات الأوائل؛ مما يؤكد بوجود فوارق تعليمية جلية بين مدينة القضارف والمحليات لصالح المدينة التي تستأثر بالتفوق.

ولكن نتيجة شهادة التعليم المتوسط تشير أيضا إلى فوارق تعليمية كبيرة داخل بلدية القضارف نفسها، إذ نجد في المدارس الأوائل 10 مدرسة خاصة، مقابل 3 مدارس حكومية هي : أبايو شمال بنات، الجباراب شرق بنات، الشرقية بنين.

كما نجد عدد 26 من اوائل بلدية القضارف امتحنوا من مدارس خاصة، بينما 6 امتحنوا من مدارس حكومية، مما يعني أن التعليم ببلدية القضارف ينحاز إلى الأغنياء.

خاتمة:

كان العام الدراسي 2024م عاما استثنائيا في ظل الحرب، مما جعل اكتمال العام الدراسي في حد ذاته نجاح، خاصة اذا علمنا ان معظم الولايات لم تعقد امتحان مرحلة التعليم المتوسط بعد.

كان امتحان الشهادة هذا هو الأول في السلم التعليمي المستعاد (6 3 3) مما يتطلب التقييم والتقويم لتحسين الآداء.

ولا بد من بذل الجهود من الحكومة، وتصافر الجهود الرسمية والشعبية، لتحسين التعليم وإتاحته لجميع المواطنين، بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي والجغرافي.

[email protected]