يحدث أيضاً في غرف مغلقة

أمد/ حدثني صديق، صاحب تجربة طويلة في العمل السياسي والدبلوماسي، عن بيئة المحادثات التي تجري في أغلب الأحيان، داخل غرف مغلقة، بعيداً عن أعين الإعلام والتلفزة والصوت والصورة، وقال، وهو يغمزني بعينه: لا تصدق، حينما نقول إن المجتمعين في المحادثات قد ناقشوا المواضيع المدرجة على جدول الأعمال، واتخذوا القرارات المناسبة، وإن المناقشات كانت تتم بشكل صريح وبنَّاء، وإن المؤتمر انتهى إلى تفاهم متبادل.
وفي الحقيقة، أن المجتمعين كانوا لا يتبادلون الآراء بشكل مثمر، بل الشتائم وبشكل مخجل، وحينما تسمع متحدثاً رسمياً يعبر عن سعادة رئيس وفده وارتياحه لنتائج محادثاته في بلد ما، فإن هذا المتحدث يعرف أن المسؤول المضيف كان ينوي أن يسكب فنجان القهوة على ثياب زائره، من شدة ضجره، وأن هذا المسؤول المضيف قال لسكرتيرته بلغته الأجنبية بأن الزائر ووفده لا يعرفون «كوعهم من بوعهم».
{ وأضاف صديقي قائلاً: وحينما يبتسم متحدث رسمي، أمام «الميكرفون» وعلى شاشات التلفزة، ويعلن أن «البيت الوردي» قد تلقى رسالة من «البيت الأبيض» تتعلق بالعلاقات الثنائية الطيبة بين البلدين، فإن حقيقة الأمر أن الرسالة كانت محل سخرية لما حوته من أخبار والتزامات تافهة.
وحينما نسمع بأن هناك مؤشرات إيجابية بقرب انعقاد المؤتمر الدولي للسلام في العالم، أو حتى في الشرق الأوسط، بعد تغيير وجهه وهويته ومزاج أغلبية شعوبه، لا تصدق ذلك، لأن الخطة المنصوبة في الغرف المغلقة، تستدعي إيصال الأطراف العربية «الشرق أوسطية» إلى قاعة المفاوضات السويسرية، وذلك حينما يصل العرب إلى شظايا دول وفتافيت عسكر كجنود الدورية.
{ نصحني صديقي بأن أستعيذ بالله من متحدثين رسميين يقولون إن كل شيء من حولنا يتغير، العقائد والأحلام والتحالفات، والمواثيق، والحرب تقايض بالمال، وإن العود الذي لا ينحني يمكن أن تعمل منه القوس.
{ وقال صديقي: لا تصدق دهاقنة السياسية، ولا تكن مثل الإمبراطور الياباني هيروهيتو، حينما استبد به الفزع بعد إلقاء الأمريكان القنبلة الأولى على هيروشيما، والقنبلة الثانية على ناجازاكي، ولما هدد ترومان بالمزيد من القنابل، استسلم هيروهيتو، ولو لم يستبد به الخوف، وصمد لتغير وجه التاريخ، فالقنبلة الثالثة لم تكن موجودة أصلاً.
{ قال صديقي، وهو يمشي ساخراً من أحوال مضحكات مبكيات: «عالم اليوم، ولسنوات أربع قادمة، هو عالم ترامب، لو بُني له تمثال من قبل عشَّاقه، لظهر بابتسامة ساخرة، على شفتيه، مثل تمثال أبي الهول، وسيذكر التاريخ تلك المشادة الكلامية الحادة والعلنية، بينه وبين نظيره الأوكراني زيلينسكي، حتى كاد أن يلقي به من النافذة.
{ في رواية طريفة تقول إن عربة كانت تحمل عدداً من السياسيين، انقلبت في وادٍ، وتأخرت الشرطة عن الوصول إلى الضحايا ليوم كامل، فلما وصل رجال الشرطة، وجدوا فلاحاً قد دفن جميع الركاب، فسأله ضابط الشرطة، هل تأكدت أنهم ماتوا بالفعل؟ أجاب الفلاح: إن بعضهم كان يصرخ ويقول إنه حي، لكن من يصدِّق السياسيين؟.