نزع ملكية بنايات بالرباط يثير سجالا قانونيا.. هل وقع مجلس العاصمة في المحظور؟

تتواصل عمليات الهدم ونزع الملكية في عدة أحياء بالعاصمة الرباط، وسط اتهامات للسلطات بـ”التعسف وخرق القانون”، ما أثار جدلا واسعا حول التبعات القانونية والإنسانية، خاصة في ظل غياب تعويضات عادلة واتهامات باستخدام “المنفعة العامة” كغطاء لتجاوزات خطيرة تخدم “مصالح خاصة” والتستر عن السند القانوني المعمول به إن وجد.
ويرى مراقبون أن ما يجري بحي المحيط بالخصوص، واعتبارا لكون جماعة الرباط “لم تناقشه”، هو اعتداء مادي على ملكية المواطنين الذي شرعن له قانون المالية لسنة 2025، والذي يقوم من خلال المساس المباشر من قبل أشخاص القانون العام، سواء كانت جماعة ترابية، مؤسسة عمومية أو الدولة، بالملكية الخاصة، دون اتباع الإجراءات القانونية والإدارية الواجبة.
في هذا السياق، أكد مستشارون عن فرق المعارضة بمجلس المدينة، في تصريحات لجريدة “العمق”، أن مباني حي المحيط وبالخصوص منطقة السانية الغربية التي تخضع للهدم ولنزع الملكية لا تدخل ضمن مشروع قرار المنشور ب الرسمية عدد 5348 بتاريخ 26 فبراير، المتعلق بالمناطق المنزوعة ملكيتها، في إطار مشروع تصميم التهيئة، موضحين أنه لا علم لهم بالمسطرة القانونية ذات الصلة بهذا الأمر.
تبعات قانونية
أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس، جواد لعسري، اعتبر أن الاعتداء المادي “تصرف يسيء للدولة ولأشخاص القانون العام باعتبار أن التعويض لا يمنح تلقائيا، إلا بعد استنفاد المساطر القضائية ومساطر التنفيذ، مع مراعاة الأجل الذي قد يصل إلى خمس سنوات وما يزيد، طبقا لقانون مالية سنة 2020، وهكذا قد تستغرق المسطرتين ما لا يقل عن تسع سنوات”.
وأوضح لعسري في تصريح لجريدة “العمق”، أن على الدولة وأيضا أشخاص القانون العام اللجوء إلى الوسائل الرضائية في نقل الملكية، للحد من الاحتقان الذي عرفته عمليات الهدم، وما قد ينتج عن ذلك من فقدان للثقة في مؤسسات الدولة وغيرها من أشخاص القانون العام.
ولفت أستاذ القانون العام إلى أنه حتى في الممارسة في مجال سلوك مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة غالبا ما لا تفضي إلى تعويض عادل مما يدفع المنزوع ملكيته إلى سلوك المسطرة القضائية التي قد تطول لسنوات، محذرا من مغبة تجاوز الحق الدستوري في الملكية.
حق كوني
وينص الفصل 35 من الدستور المغربي لسنة 2011، على أن حق الملكية مضمون بموجب القانون، ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون.
وتنص المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أن “لكلِّ فرد حقٌّ في التملُّك، بمفرده أو بالاشتراك مع غيره، وأنه لا يجوز تجريدُ أحدٍ من مُلكه تعسُّفًا”، كما تنص المادة 17 من العهد الدولي للحقوق المدنية السياسية، الذي صادق عليه المغرب في 03 ماي 1979 ونشر ب الرسمية في ماي 1980، على أنه “لا يجوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعت، وأن من حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس”.
كما تؤكد المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي صادق عليه المغرب في 03 ماي 1979 ونشر ب الرسمية في ماي 1980، على أن “لكل شخص الحق في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية. وتتعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق.
ويعترف القانون الدولي لحقوق الإنسان بالحق في السكن اللائق كحقّ من حقوق الإنسان ضمن إطار الحقّ في مستوى معيشي لائق. وقد شدّدت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، على أن الحق في السكن اللائق يجب أن يُنظر إليه على أنّه الحقّ في العيش في مكان ما بأمان وسلام وكرامة.
وقال مستشار فيدرالية اليسار الديمقراطي بجماعة الرباط، فاروق مهداوي، “نحن لسنا ضد التنمية، لكن شريطة أن تكون رهينة باحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذا ما لا يتم، فما يجري هو خرق سافر للقانون، وانتهاك لحقوق الإنسان”، مشيرا إلى أن “ما يجري بحي المحيط سيتواصل، وسيصل لأحياء للعكاري، وقصر البحر، ويعقوب المنصور، والتقدم”.
اعتداء مادي
وأوضح أستاذ المالية العامة بجامعة الحسن الثاني، جواد لعسري، أن قانون المالية لسنة 2025 يضفي طابع الشرعية على الاعتداء المادي من قبل أشخاص القانون العام على الملكية الخاصة، كردّ فعل من المشرّع على التوجه القضائي، من خلال فرض ضريبة مجحفة على التعويض الممنوح في إطار الاعتداء المادي، مماثلة لتلك المفروضة على التعويض الرضائي، والتي تصل إلى 20%، داعيا في المقابل المشرع الضريبي إلى مراجعة هذا الإجراء في قانون المالية المقبل.
وفيما وصفه بـ”الاعتداء المادي على ملك الغير”، أشار لعسري إلى أن هذا الإجراء يعادل في القانون المدني جريمة “الترامي على ملك الغير”، والتي تستوجب تدخل النيابة العامة، مضيفا أن “ما يحدث هو تعسف ومصادرة للملكية بالقوة دون اتباع أي مسطرة قانونية واضحة”.
وأوضح الخبير المالي أن الدولة أصبحت تلجأ إلى القوة لمصادرة العقارات دون منح أصحابها تعويضا أوليا أو تكميليا، ما يضطر المتضررين إلى رفع دعاوى قضائية ضد الإدارة العامة، سواء كانت جماعة ترابية، مؤسسة عمومية، أو الدولة نفسها.
وأضاف: “يتم الاستيلاء على العقارات دون أي سند قانوني، بل بالاعتماد على الفوضى”، مستشهدا بتصريح المحامي حسن السيمو، الذي اعتبر أن “الدولة المغربية تشرعن الاعتداء المادي من خلال فرض الضريبة على التعويضات”.
وأشار لعسري إلى أن المتضرر، من أجل الحصول على تعويضه، مطالب بإجراء محضر معاينة، وتحديد الجهة التي قامت بالمصادرة، وإحضار سند الملكية، ثم رفع دعوى قضائية. وبعد صدور الحكم الابتدائي، والاستئنافي، ثم الطعن بالنقض، وانتظار الحكم النهائي، يتوجب عليه الانتظار خمس سنوات إضافية لتنفيذ الحكم، وفقا لأحكام قانون المالية لسنة 2020.
ضد التوجه القضائي
وبيّن لعسري أن شرعنة الاعتداء على الملكية جاءت كرد فعل على حكم صادر عن الغرفة الإدارية سنة 2018، الذي قضى بعدم إخضاع التعويضات الناتجة عن الاعتداء المادي للضريبة، لكونها لا تدخل ضمن الفئات المحددة صراحة في القانون، مشيرا إلى أن قانون المالية لسنة 2025 أقرّ بفرض الضريبة على هذه التعويضات.
وأوضح أن الضريبة كانت تشمل التفويتات العقارية العرضية، سواء كانت رضائية أو جبرية، بما فيها نزع الملكية للمنفعة العامة بموجب القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية، مشرا إلى أن في حالة التفويت الرضائي، يُلزم البائع بإيداع الإقرار وأداء الضريبة خلال 30 يوماً من تاريخ البيع، بينما يمنح المشرع استثناء في حالة نزع الملكية، حيث يبدأ احتساب الأجل من تاريخ استلام التعويض، وليس من تاريخ النزع.
وفي شرح لآلية نزع الملكية غير المعمول بها في حالة حي المحيط، قال لعسري: “عندما تنزع الدولة عقاراً، يمكنها تعويض المالك بمبلغ 150 درهماً للمتر الواحد، ويكون على المتضرر أداء الضريبة فور استلام التعويض الأساسي”.
وأضاف أن المتضرر، في حالة نزع الملكية، يملك حق الطعن أمام المحكمة للمطالبة بتعويض منصف، وفي حال لم يكن التعويض الأولي عادلا، يمكنه اللجوء إلى القضاء لتعديل القيمة. وبعد صدور الحكم النهائي، يصبح من حقه الحصول على تعويض تكميلي، لكنه سيخضع بدوره للضريبة وفق تعديل آخر لقانون المالية لسنة 2025.
وفي محاولة للحصول على موقف رسمي من جماعة الرباط بشأن طبيعة المسطرة القانونية المتبعة في اتخاذ الإجراء، راسلت جريدة “العمق “، عمدة المدينة فتيحة المودني للاستفسار عن الأمر، إلا أنها لم تتلقَّ أي رد إلى حدود نشر هذا المقال.
المصدر: العمق المغربي