وازالوا البلم .. بدون قلم

معمر حسن محمد نور
لا زلت اذكر ذاك الفيلم الفرنسي الذي كان يتناول وضع واجازة. دستور منظمة الصليب الاحمر الدولي. طبيب وممرضة، بين مئات جرحى حرب دولتهم التي تلزمهم الاوامر بعلاجهم دون جرحى الطرف الآخر وحسهما الانساني يأبى ان يترك الآخرين. في عز ضغط العمل بين زحام الجرحى ويداهما ملطختان بدمائهم، تداهما الرغبة في التنفيس ، وفي عز اندماجه وهو يفك ازرار قميصها، يرى الصليب الذهبي المتدلي في صدرها ، وينسى ما كان فيه ويذكز ان الطرفين مسيحيين يقدسان الصليب، فصنعا علما ابيض يحمل الصليب وصارا يدخلان بين المتقاتلين، فيسكت البارود ويحملان اي جريح. من هذا الموقف كتب الدستور ويأمل ان تجيزه الدول. فيصادف وضعا سياسيا لرئيس فرنسي يقرر انه سيوقع فتتشجع بقية الدول .. وهكذا دائما فإن القضايا لها حملة نابهون. لكنها لا ترى النور الا بتبني مؤثرين. وفي سوداننا، يذكر ثوار ديسمبر وهم في ساحة الاعتصام، كيف كانوا يتوجسون من استدعاء قوات الدعم السريع، الا ان قائدها خاطب افرادها قبل الدخول بألا يطلقوا النار على المتظاهرين السلميين بل على حملة السلاح فقط، وسرت الطمأنينة في نفوس الثوار، وتناسوا كل ما كانوا يصفون به حميدتي ولو انهم صاروا يتندرون على مستوى تعليمه. هنا تبدوا احدى ظواهر استعلاء المتعلمين. الذين لم يزل بلمهم قلم حتى على الذي نادى بحفظ ارواحهم وتبني قضيتهم. اما من في الضفة الاخرى، فحدث ولا حرج..
ما استدعى هذا الكلام، ذلك السجال الذي دار بين حسن اسماعيل الذي مارس اسوأ عادات تعالي المتعلمين وهو يتناول حديث عبد الرحيم دقلو عن دستور تأسيس الموقع في نيروبي وفتحي ابو عمار السوداني. بالقطع لا حسن اسماعيل ولا غيره،خاف عنه ان الدساتير ومبادئها يصيغها مختصون.ولكنها لا تأخذ زخمها الا بتبني اطراف مؤثرة لها. وهذا ما حدث في دستور مجموعة تأسبس الموقع في نيروبي اتفقنا او اختلفنا خوله.فقد تجاوز اعقد عقبة وقفت امام المتعلمين الممارسين للسياسة بتبني علمانية الدولة. من هنا يبدو تهافت تناول حسن اسماعيل للدستور بالطعن في مستوى عبد الرحيم دقلو التعليمي. وبالطبع متخف في القول حميدتي. ليساهم في في مزيد من تغبيش الوعي، فيستدعي ذكرى اساطين القانون الدستوري ويقارن الاخوة دقلو بهم.
ترك القضية، وتناول الاشخاص،منهج تعلمناه للاسف في حياتنا السياسية.واحدى حصائده،حربنا اللعينة هذه.
وعلينا نبذ هذه العقلية. فكاتب خطاب دولة خليجية لسنوات في المنظمات والمحافل الدولية، كان سودانيا من حلفا دغيم او عنقش وسكن اهله الشاعديناب في الدامر، فهل تسمع لها ركزا؟ هو نفس نهجنا في التفكير بالتفاخر باننا بنينا الخليج وكأن المقاول الذي بنى بيوتنا له حق علينا ما دمنا احياء دون ان ناخذ في حسابنا انهم اخذوا الاجر على ذلك.
اما البلم في هذه النقطة، فقد ازاله اناس لم يحملوا القلم، وعلينا ان نبدي احتراما للقضية وحملتها، لا ان نضيع وقت الناس في صرف الانظار قضية نعرفها جيدا. في الاستهزاء بالآخر.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة