اخبار المغرب

“ثقافة الإحسان” ترفع أعداد المتسولين في الشوارع المغربية خلال رمضان

مع بداية شهر رمضان من كل سنة، تبرز بقوة ظاهرة التسول، حيث تشهد الأسواق والأماكن العامة وأبواب المساجد في المغرب تجمهرا غير معتاد لعدد من المتسولين الذين يحاولون استغلال الأجواء الروحانية والدينية لهذا الشهر من أجل استعطاف الناس والحصول على بعض الصدقات؛ وبالتالي استغلال هذا الشهر الذي تغمر فيه القلوب مشاعر الجود والعطاء.

ورغم أن شهر رمضان يدعو إلى الإحسان والتكافل، فإن تزايد حدة ظاهرة التسول في المجتمع المغربي، خاصة في المواسم والمحطات الدينية، يضع المجتمع المغربي، حسب مهتمين، أمام تحدّ اجتماعي حقيقي وفي مواجهة ظاهرة تزداد تعقيدا وتستدعي إعادة النظر فيها وفي طرق معالجتها للحيلولة دون أن تتسرب إليها ثغرات الاستغلال والإجرام.

في هذا الإطار، قال خالد التوزاني، رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي، إن “ازدياد ظاهرة التسول، خاصة في شهر رمضان، يعود إلى أسباب وعوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية عديدة؛ من أبرزها زيادة قيم التضامن والعطاء والصدقات، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان. ولأن المغاربة حريصون على اتباع النبي الكريم، فإن عطاءهم يزيد في هذا الشهر؛ وهذا ما جعل الكثير من الناس يستغلون هذا الجود، فيمدون أيديهم لطلب الصدقة والإحسان، ولولا كثرة العطاء لما كانت ظاهرة التسول بهذه الكثرة التي توجد في شهر رمضان”.

وأضاف التوزاني، في تصريح لهسبريس، أن “السبب الرئيسي وراء ارتفاع حدة هذه الظاهرة في رمضان هو ورع المغاربة وكرمهم وتضامنهم واتباعهم للنبي في الجود والعطاء بلا حدود، حيث يقتسمون مع غيرهم كل ما يملكون، ولا يبخلون في تقديم ما لديهم”.

وأبرز رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي أن “الإنسان المغربي يتميز بمشاعره الرقيقة ورحمته بالآخرين ومحبته للنبي الكريم؛ وهذا ما يفسر كثرة التسول وانتشارها، وخاصة أمام المساجد، لأنها تستهدف المصلين وتستغل مشاعرهم الدينية”.

وأشار المتحدث ذاته إلى أسباب أخرى متعلقة بالضغوط الاقتصادية؛ مثل ارتفاع الأسعار التي “يمكن أن تدفع بعض الفقراء للتسول، فهذه الحالات محدودة جدا وأغلب أصحابها يمارسون بعض الحرف والمهن، ولا يقدرون على التسول عفة وحياء وأنفة”.

وسجل أن “أبواب المساجد والطرق الموصلة إليها تعد أماكن مفضلة للمتسولين، وكذلك أبواب المتاجر والأسواق لإيهام الناس بأنهم في حاجة إلى الطعام. وبعض المتسولين يتعمدون إبراز حالة الضعف والحاجة الشديدة، حيث يعملون على استغلال تعاطف الناس معهم، واستغلال المشاعر الدينية في هذا الشهر، حيث يقدمون قصصا مؤثرة لجذب مزيد من التعاطف ويظهرون بمظهر الصلاح والتدين والظروف والزمن الصعب.. وغير ذلك من المبررات”.

وخلص إلى أن “وتيرة التسول تزداد بشكل لافت للانتباه في العشر الأواخر من رمضان، إلى درجة تثير الاستغراب، وتفرض ضرورة تدخل رقابة الدولة للحد من هذه الظاهرة التي تسيء لصورة المغرب، خاصة أن كثيرا من المتسولين يستغلون الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن، فيضعونهم في الطرقات والشوارع والأبواب في مظهر يثير الشفقة والعطف”، مشددا على أهمية “نشر الوعي المجتمعي بطرق المساعدة القانونية مثل التبرع للمراكز الاجتماعية والمؤسسات الخيرية الموثوقة، عوض تقديم المال مباشرة للمتسولين”.

من جهته، أورد الحسين العمري، باحث في السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا، أن “التسول هو ظاهرة اجتماعية قديمة يصعب استئصالها من المجتمع لاعتبارات عديدة؛ غير أن هذه الظاهرة تزداد حدة في المواسم والمحطات الدينية، كشهر رمضان”.

وأضاف العمري، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه الظاهرة تتجاوز كونها تعبيرا عن حاجة فردية ملحة؛ بل أصبحت مرتبطة بشبكات إجرامية تستخدم النساء والأطفال والهشاشة التي يعانون منها، من أجل جني أرباح طائلة”.

وسجل أن “التسول يصبح ظاهرة لافتة للانتباه خاصة خلال شهر رمضان، حيث يكثر الإحسان؛ وهو ما يستغله المتسولون لكسب قلوب الآخرين واستعطافهم بأساليب وطرق مختلفة لا تغفل طبيعة وروحانية شهر رمضان لدى المغاربة”، لافتا إلى أن “القانون الجنائي يعاقب على التسول إلا أن الواقع المجتمعي يفرز صورة أخرى يعد التسول جزءا منها، حتى أن أغلب أفراد المجتمع المغربي طبعوا مع هذه الظاهرة وتعايشوا معها”.

وشدد الباحث ذاته على أن “المنظومة التعليمية والتربوية المغربية لا تعطي أهمية كافية لتوعية الأفراد حول خطورة التسول على المجتمع، مع خطورة التطبيع معه، إذ يقتل التسول الإبداع ويعلم الاتكالية على الآخرين، كما يؤثر على صورة وسمعة أي بلد، ويسائل عن نجاعة سياساته الاجتماعية والاقتصادية”، مشيرا إلى أن “التسول أصبح في وقتنا الحالي حرفة ومهنة للاغتناء السريع، وما حوادث القبض على متسولين يملكون عقارات وسيارات فارهة في السنوات الأخيرة إلا خير دليل على ذلك”.

واعتبر المتحدث ذاته أن “انتشار ثقافة العطف على الآخر وانتشار مجموعة من القيم النبيلة وسط المجتمع المغربي تساهم في استمرار هذه الظاهرة، رغم أن هناك مواطنين وجدوا أنفسهم مضطرين إلى امتهان التسول نتيجة ظروف اقتصادية أو اجتماعية ما؛ غير أن ذلك لا يبرر الظاهرة في حد ذاتها.. وبالتالي يجب العمل على تعزيز منظومات المساعدة الاجتماعية لفائدة الفئات الهشة والعمل على تعزيز اللجوء إلى طرق وآليات المساعدة الفعّالة للمحتاجين”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *