اخبار المغرب

أكاديميون يسبرون أغوار الأشعرية والجهاد والأحباس في “دراسات كيروسية” (صور)

قدم باحثون أكاديميون قراءات علمية في كتاب “دراسات كيروسية.. الأشعرية والجهاد والأحباس” لمؤلفه محمد بلال أشمل، وذلك خلال لقاء علمي احتضنه المركز الثقافي إكليل بمدينة تطوان، يوم الجمعة المنصرم.

وكتاب “دراسات كيروسية.. الأشعرية والجهاد والأحباس”، أصدره مؤخرا الكاتب والأكاديمي المغربي، محمد بلال أشمل، أستاذ الفكر والحضارة بكلية أصول الدين بتطوان، ضمن 155 صفحة، ويتناول ثلاث دراسات علمية حول قراءة ونظرة “كارلوس كيروس” (18841960) لقضايا الأشعرية والجهاد والأحباس بالمغرب.

اللقاء الذي سيرته زينب المرواني، استعرض خلاله خالد زهري، أستاذ العقيدة بكلية أصول الدين بتطوان، قيمة الدراسات التي ألفها الأب كيروس عن قضايا الأشعرية والجهاد والأحباس في المغرب، معتبرا أن علم الكلام في الغرب الإسلامي لا يجب أن يُستثني منه علم الكلام في إسبانيا، أو ما يُسمى بـ”الإسلاميات الإسبانية”.

وأوضح زهري أن اهتمام المستشرقين الغربيين بدراسة الأشعرية والجهاد ونظام الأحباس المغربية أمر مهم جدا للباحثين المغاربة، مشددا على ضرورة دراسة إنتاجاتهم في هذا الصدد بتعمق، وبلغاتها الأصلية ما أمكن، مشيرا إلى أن تلك الدراسات تكشف مدى فهم واستوعاب الآخر للتراث الديني الإسلامي بشكل أعمق من فهم كثير من الباحثين المسلمين.

ويرى زهري أن نظام الأحباس بالمغرب، على سبيل المثال، كان محط اهتمام كبير جدا خلال فترة الاستعمار الفرنسي والإسباني، لافتا إلى أن الباحثين والمستشرقين الفرنسيين والإسبان كانوا يدرسون الأحباس بعناية فائقة، وقدموا إنتاجات بالغة الأهمية.

واعتبر أن ذلك انعكس على المستوى الواقعي من خلال تنظيم سلطات الاستعمار لنظام الأحباس بالمغرب، ووضع مؤسسات خاصة بها، وتعيين مسؤولين صارمين عليها، علما أنها كانت تُحارب في دول أخرى مجاورة كالجزائر وتونس وموريتانيا وغيرها.

من جهته، أشار الحسان شهيد، أستاذ أصول الفقه والمقاصد بكلية أصول الدين بتطوان، إلى ما يتميز به مؤلِّف “دراسات كيروسية”، محمد بلال أشمل، من عملية مهنية، وثقافية معرفية، وعلمية أكاديمية، وهو ما انعكس على القيمة العلمية والمعرفية لكتابه.

وأوضح أن من أبرز المميزات العلمية لكتاب “دراسات كيروسية”، الفرادة والجدة، والاستيعاب العلمي والتاريخي من خلال القدرة على القراءة والتأريخ والدراسة والترجمة والنقد والتقويم في عمل أكاديمي واحد، ما يكشف مدى تعمق الكاتب وشغفه بموضوع الكتاب.

واعتبر أن الكتاب يتميز بمميزات منهجية مميزة، تتجلى أساسا في القدرة على جمع دراسات علمية متعددة حول أعمال كارلوس كيروس، والتأليف بشأنها، ثم التحقيق والتدرج في دراسة إنتاجات هذا المستشرق الإسباني الكبير، والتركيز على السؤال والاستشكال في طرح قضاياه.

ولفت إلى أن بلال أشمل تمكن من بصم هذا المؤلف بمميزات لغوية فائقة، تتجسد في المتانة اللغوية من خلال سبر أغوار مصطلحات ومفاهيم الخطاب المرتبط بمجال الدراسة، ثم التمكن اللغوي عبر المعرفة الدقيقة باللغة الإسبانية، والنقل والترجمة الدقيقة لأبحاث كيروس إلى اللغة العربية.

وقدم شهيد جملة من التوصيات المتصلة بهذا الكتاب، مشددا على ضرورة مواصلة والبحث وجمع ودراسة تراث الاستشراق الإسباني، وترجمة كتاب “دراسات كيروسية” إلى الإسبانية بعد تطويره وتوسيع مباحثه، من أجل إطلاع الكتاب والباحثين الإسبان على النظرة الشرقية لأبحاثهم وإنتاجاتهم.

وفي هذا الإطار، كشف محمد بلال أشمل، مؤلف كتاب “دراسات كيروسية” وأستاذ الفكر والحضارة بكلية أصول الدين بتطوان، أن اهتمامه بدراسات كارلوس كيروس بدأت منذ إعداده لأطروحته للدكتوراه حول موضوع “أصول المذهب الفقهي عند أبي الوليد ابن رشد”، حين وجد نشرة عربية مع ترجمة إسبانية لكتاب “مختصر علم ما بعد الطبيعة” الذي صيغت مقدمته وُضعت في تطوان في 15 مارس سنة 1919.

وأوضح أن هذا الكتاب دفعه للبحث عن هوية الأب كارلوس كيروس وخلفيته الفكرية والأكاديمية، ليتمكن من الحصول على الكثير من المعلومات والوثائق حول هذا المستشرق الذي ظل في تطوان طيلة 27 عاما، وعمل إبان الاستعمار الإسباني أستاذا بمدرسة تطوان للعربية والبربرية، ومديرا لمعهد الدراسات العربية بتطوان.

ولفت أشمل إلى أن معظم أبحاث كيروس هي مخطوطات مفقودة، فيما توجد بعض المخطوطات في مكتبة جامعة أوفييدو بإسبانيا، وأن ما تمت دراسته والبحث فيه تتركز أساسا حول كتابيه “نظم الدين الإسباني” و”نظم الفقه الإسباني” وبعض محاضراته المجموعة، مشددا على ضرورة خوض الباحثين تجربة البحث في تراث هذا المستشرق الإسباني الذي كان مغرما باللغة العربية.

ووفق أشمل، فإن هناك أطروحة أكاديمية أنجزها الأب كيروس حول الشاطبي وكان من المقرر أن يقدمها بجامعة غرناطة، لكنه مُنع من ذلك بسبب ممارسته نقدا موضوعيا لترجمة المستشرق الإسباني الكبير، كارسيا كوميز، لكتاب “طوق الحمامة” لابن حزم سنة 1953، إلى جانب حرمانه من عمله في مدرسة الدراسات العربية ومنعه من دخول مكتبتها، وفق ما تثبته وثائق ومخطوطات تاريخية.

يُشار إلى أن كتاب “دراسات كيروسية” يشمل على ثلاث دراسات، تتعلق الأولى بقضايا الأشعريات الإسبانية وللتعريف برجالها، وقراءة كيروس لعقائد أهل السنة والجماعة، وهي دراسة كان قد نشرها سنة 2000.

ويُبرز أشمل في الدراسة الثانية التي نُشرت في 2024، ترجمة إسبانية من العشرينيات لصاحب “نظم الدين الإسلامي” لكتاب الجهاد من كتب بداية المجتهد ونهاية المقتصد لأبي الوليد بن رشد فيلسوف وفقيه قرطبة ومراكش.

أما الدراسة الثالثة، والتي نُشرت سنة 2023، فتتعلق بترجمة وتقديم وهوامش لدراسة صاحب “نظم الفقه الإسلامي” حول “الحبس في المذهب المالكي”.

ويرى أشمل، بحسب تصدير الكتاب، أن القصد من جمع تلك الدراسات ومراجعتها وضمها في هذا الكتاب، هو التعريف بعمل أحد صناع الحياة الفكرية والثقافية في تطوان وإسبانيا، وهو كارلوس كيروس.

وأوضح أن كيروس كان صاحب أول ترجمة قشتالية كاملة لمختصر ما بعد الطبيعة لابن رشد، حيث وضع لها مقدمة مؤرخة في تطوان يوم 15 مارس سنة 1919.

كما استأنف كيروس عمله الفكري والعلمي لما غادر المغرب سنة 1942 الى غرناطة ومدريد ثم “بولا ديسييرو” بأرض “أستورياس”، وهناك أبدع أعمالا أغلبها طي المخطوط ما بين وضع وترجمة وتحقيق في شعاب المعرفة الفلسفية والأدبية والتاريخية واللاهوتية.

ويوضح أشمل أن الهدف من إخراج هذا الكتاب هو الدعوة لإعادة النظر في طبيعة الحياة الثقافية والعلمية خلال فترة الحماية الإسبانية على الشمال المغربي، والوقوف على بعض الأرخبيلات المعرفية التي غني بها الكتاب الإسبان سواء المقيمون منهم بالمغرب أو الزائرون له أو العابرون في أحداثه ووقائعه.

ومن تلك المواضيع المعرفية، العلوم والمذاهب الإسلامية فقها وعقائد، أو المؤسسات الإسلامية مثل الأحباس وأب المواريث، وهي مواضيع يعتبرها أشمل “أرخبيلات ساد الظن أنها بغير فائدة، إما لاقترانها بالفترة الاستعمارية ومقتضياتها الإيديولوجية، أو لشيوع الشبهة بضعف بضاعتها العلمية نظرا لإقبال ذوي الهوى الإفريقي التأليف فيها، وهم لا يملكون من المعرفة الكافية بتلك العلوم ولا يتوفرون على حظ من العلم بتلك المؤسسات لكي يضعوا فيها كتابات منشورة أو محفوظة مما تحصل لدينا منها، أو مما يزال راقدا في أرشيفات الدولة الإسبانية”.

ويضيف أن هذه الدراسات الكيروسية نسبة إلى صاحبها الكيروسي، “نتنادى فيها إلى جملة أمور، منها أن تحقيق القول في طبيعة وقيمة وحدود تلك الكتابات يقتضي الوقوف عليها أولا، وفحص متونها ثانيا، واستخراج حقائقها ثالثا، ودراستها رابعا، وترجمتها خامسا، إلى غير ذلك من الإجراءات العلمية على سند من الرؤية النقدية، وعلى هدي منهجية واصلة إلى غاياتها”.

 

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *