عام السردين

للمراكشي نكهة خاصة وكلامه كله حكمة وتبصر وقبل ذلك ردد أصحابه وأبناء جلدته عبارة ” المغرب جوج ابحورة والحوت فيناهوا” .لا أحد يلوم أبناء الشعب المغربي على مثل هذه العبارات لأنها صادقة وتولدت نتيجة صراع حقيقي بين مواطن مغلوب على أمره وجشع التجار المحترفين والمتميزين بجذب الأرباح وملء الجيوب. وبدون أدنى شك فالغالبية الأعم من’ تجار الجشع” تتغلب عليهم المصالح الذاتية …
إن نماذج الأنانية توجد في الكثير من الأسواق والقلة من التجار الكبار يحملون هم الوطن والمواطن .
ما قام به الشاب المراكشي الذي يمتهن بيع السمك يعتبر تحديا حقيقيا للنمطية السائدة في المجتمع والتي أصبحت غير قادرة على تجاوز خطاب التنديد وحمل الشعارات مع ترديدها دون شعور الآخر بقيمتها .
أدرك البائع الشاب قيمة فعله عندما استحوذ على قلوب الملايين من المغاربة وصداها وصلت إلى العالم، وحتى السلطات ردت بكل احترام وتقدير لأن الفعل وإن كان صيحة فقر ومعاناة إلا أنه يدخل في إطار حرية شخصية. تاجر أراد بيع تجارته بثمن يراه هو في نظره مقنعا. فما علاقة هذا الفعل بما قام به أصحاب الجوقة المتمردة على القيم الأخلاقية الباحثة فقط عن الربح ثم الربح .
لم يتجاوز الشاب اللطيف حدود اللباقة بل عبر عن إنسانية فائقة، عندما يصيح ” أريد لكل المغاربة أن يأكلوا السردين”.
كيف يعقل في بلد ” السردين ” أن تنتهك حرمة المستهلك بمنعه من أكلة مفضلة قسرا وليس اختيارا. فلا المواطن البسيط في وضعية الاختيار بين السمك الجيد أو المتوسط مع أكلة الشعب.
لنسمي هذا العام أو هذه السنة ب “عام السردين” ونقلد الشاب وسام الاحترام لصيحته النبيلة ولملكته وقدرته على إيصال خطاب الشعب لتجار الجشع. هكذا سيظل التاريخ يسجل هذه النماذج من الملاحم التي استطاع بأسلوب بسيط اختراق حاجز الصوت وفك عقدة ألالسن.
المصدر: العمق المغربي