اخبار المغرب

تحليل نتائج البحث الوطني: بين تعزيز السيادة وتحديات الثقة في المؤسسات

تشير نتائج النسخة الثالثة من البحث الوطني حول الرابط الاجتماعي إلى صورة مشوهة للمشهد السياسي في المغرب، حيث تُسجل التناقضات الكبرى في الثقة بين المواطن والمؤسسات. ورغم أن البحث يظهر زيادة في الثقة بالمؤسسات السيادية والتعليمية، فإن هذا يعكس مغالطات تروج لها الدولة بشكل ممنهج لتعزيز صورة هذه المؤسسات على حساب تقوية دور الفاعل السياسي الحقيقي. هذه النتائج لا تساهم في إحياء الديمقراطية ولا في تعزيز العمل السياسي الذي يعاني منذ سنوات طويلة من محاولات مستمرة لضربه وتشويهه.

من أبرز المغالطات التي يروج لها البحث هو تأكيده على الثقة المرتفعة في المؤسسات السيادية (6,7 من أصل 10) والتعليمية (7,2 نقطة) مقارنة بالمؤسسات التمثيلية التي سجلت أدنى مستويات الثقة. هذه النتائج تتجاهل أزمة الشرعية التي تواجهها الأحزاب السياسية والتي تزداد تعقيدًا مع مرور الوقت. فالدولة، بدلاً من دعم الأحزاب كآلية حقيقية للتعبير عن إرادة المواطنين، تتعمد ضربها عبر تهميشها وتقليص دورها السياسي حتى أصبحت في أغلب الأحيان مجرد واجهة خالية من التأثير الحقيقي. وهذا التوجه لا يشجع على تعزيز الثقة في المؤسسات التمثيلية بل يعمق الفجوة بين المواطنين وهذه المؤسسات. النتيجة هي تكريس لمفهوم السيادة المركزية في يد مؤسسات الدولة العليا على حساب بناء الديمقراطية التشاركية.

أما في ما يتعلق بثقة المواطنين في بعضهم البعض، فإن نسبة 80% الذين يعتبرون الناس “غير جديرين بالثقة” لا تعكس سوى الواقع الاجتماعي المتأزم، الذي يتغذى من غياب العدالة الاجتماعية وفشل الدولة في تحسين ظروف معيشة المواطنين. الدولة، عبر سياساتها الاقتصادية والاجتماعية الفاشلة، تساهم في تعميق هذا الشعور بالانعدام، فتزداد فجوة الثقة بين المواطنين والنظام السياسي. هذه النتائج، التي تشير إلى أن المواطنين لا يثقون ببعضهم البعض، تتحمل مسؤوليتها سياسات الدولة التي لا تعير اهتمامًا لاحتياجات الناس. بدلًا من الاعتراف بتقاعس الأحزاب في تمثيل المواطن، يتم تحميل المواطن نفسه مسؤولية أزمة الثقة، مما يضعف من قدرة الفاعل السياسي على التجديد والابتكار.

فيما يخص الاقتصاد، تشير النتائج إلى أن 37% فقط من المغاربة لديهم ثقة في المستقبل الاقتصادي للمملكة، في حين أن 45% هم محايدون و18% متشائمون. هذه الأرقام تكشف بوضوح فشل السياسات الاقتصادية في تحسين الوضع المعيشي، لكنها في نفس الوقت تسلط الضوء على مغالطة أساسية: تحميل الأزمات الاقتصادية فقط للعوامل العالمية. المغرب يعاني من مشاكل داخلية عميقة تتعلق بالفساد، ضعف الحكامة، وتهميش الأقاليم. إذا كانت الدولة جادة في معالجة هذه القضايا، فهي بحاجة إلى التوقف عن تحميل المسؤولية لأزمات خارجية والتركيز على إصلاح الداخل من خلال سياسات اقتصادية عادلة تضمن رفاهية المواطن.

فيما يتعلق بالفضاء الافتراضي، حيث أشار البحث إلى أن 71% من المغاربة يرون أن وسائل التواصل الاجتماعي تهدد التماسك الاجتماعي، هذه النتيجة تستبق التحليل الحقيقي لمشاكل المجتمع المغربي. بدلاً من الاعتراف بدور الدولة في تنظيم الفضاء الرقمي وضبطه، يتم التركيز على الخوف من الفضاء الافتراضي وكأنه هو المسبب الرئيسي في تفكيك التماسك الاجتماعي. إذا كانت الدولة تسعى لتحسين الوضع، فإنه من الأفضل أن تركز على استراتيجيات تعليمية وتشريعية حقيقية للتصدي للأخبار الزائفة، بدلاً من تقديم حلول سطحية لا تأخذ بعين الاعتبار الأسباب الجوهرية التي تعمق الانقسامات في المجتمع.

إن التناقضات التي يكشفها البحث الوطني حول الرابط الاجتماعي، خاصة فيما يتعلق بالثقة في المؤسسات السيادية والتعليمية، تُظهر بوضوح مغالطات لا تعزز من العمل السياسي بل تكرس صورة “الاستقرار” المزعوم عبر مؤسسات الدولة العليا. هذه النتائج تتجاهل الواقع السياسي والاجتماعي وتساهم في إضعاف الديمقراطية التمثيلية التي تشهد تراجعًا كبيرًا. إن الفاعل السياسي الحقيقي، الذي يجب أن يكون محركًا للتغيير، يظل مهمشًا من قبل سياسات الدولة التي تفضل الاستحواذ على كل القرارات الحيوية. فبدلاً من تعزيز الثقة في المؤسسات التمثيلية والعمل على إصلاح الأحزاب، تستمر محاولات الدولة في إضعافها وقتلها من خلال سياسات تهميشية.

لذا، فإن التغيير الحقيقي يتطلب توحيد جهود الأحزاب السياسية الديمقراطية لاستعادة مصداقيتها واسترجاع ثقة المواطنين بها. يجب أن تتضافر هذه الأحزاب لخلق أفكار ومبادرات جديدة تسهم في تجديد العمل السياسي وتعزيز الديمقراطية التشاركية. إن الابتكار في آليات العمل السياسي هو السبيل لإعادة الاعتبار للأحزاب كفاعلين حقيقيين في التأثير على القرار السياسي وتحقيق تطلعات المواطنين نحو مستقبل أفضل.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *