اخبار السودان

تحالف نيروبي وقضايا الحرب والسلام في السودان

تحالف نيروبي وقضايا الحرب والسلام في السودان

محمد بدوي

تم التوقيع على وثيقة تحالف نيروبي الذي ضم 21 جسم وممثلين للمجموعات وفقا للأسماء التي تمت تلاوتها في المنصة الرئيسية، موزعة بين 9 حركات مسلحة و11 جسم بين حزب وممثلين.

الملاحظة الاولى فقد خلت القائمة من تمثيل للنساء الأمر الذي يضع مسألة المشاركة والنوع في الحكومة المرتقبة تحت اختبار حقيقي، في ظل زخم أحاط بالمؤتمر أو لقاء نيروبي تم ترديد هتاف وعبارات تجتر إنهاء التهميش مع ملاحظة سيادة الشعارات المناصرة للدعم السريع بشكل أكثر صدى من سواها، فيبدو أن التهميش هنا جاء بعيداً عن مفهومه وتعريفه فهو يشمل النوع والقوميات، والأقليات، مع غياب ملحوظ لتمثيل أصحاب الديانات الأخرى من غير المسلمين، عدا القائد جوزيف توكا الذي يمثل الحركة الشعبية/ شمال أكثر من كونه ممثل  لإحدى الطوائف المسيحية، ربما قد قصد بعدم تمثيل الطوائف الدينية بالرغم من أن الواقع المرتبط بالصراعات السياسية ظل يلقي بثقله عليها بشكل ايديولوجي يهدف إلى تقليص مساحة الحريات الدينية.

عطفا على قائمة الموقعين، في المنصة التاريخية للأحزاب التقليدية ظهر ممثلي أجنحة أو مجموعات الحزب الاتحادي الديمقراطي والاتحادي الموحد إبراهيم الميرغني ومحمد عصمت قد شكلا ثقلا أكبر من حزب  الأمة الذي مثله اللواء معاش فضل برمة ناصر الذي تنازعه نائبة رئيس الحزب الدكتورة مريم الصادق حول شرعية مشاركته باسم حزب الامة، لكن يبقى التمثيل في لقاء نيروبي يطرح على الضفة الاخرى ممثلين لذات الأحزاب، الأمر الذي يجعل التوزيع بين تحالف صمود وقمم توزيع للمواقف قد يثير حالات عدم اعتراف من كلا المجموعتين تجاه الأخرى وهنا يتفرع الصراع إلى أطراف الحرب وسياسي ليس حول وقف الحرب لكن شرعية التمثيل.

الموقعون على اتفاق سلام السودان 2020 تمثلوا في بعض  قادة حركات تحرير السودان الدكتور الهادي ‘دريس عن المجلس الانتقالي، الأستاذ الطاهر حجر عن قوى التحرير، الأستاذ حافظ عبد النبي عن التحالف السوداني الذي انقسم قادته بين تحالف قمم وإلى جانب الجيش حيث تم تعيين السيد بحر كرامة والياً لغرب دارفور.

اللافت غياب اليسار السوداني من لقاء نيروبي سواء الحزب الشيوعي السوداني الذي كشف عن موقفه من لقاء نيروبي وقيام تقدم وقبلها وقف الحرب في السودان، البعثيون بجناحيهم وكذلك الناصريين، وهذا يدفع بسؤال الخيارات السلمية والعسكرية من قضايا الحرب والسلام في السودان.

الإدارة الأهلية كشف عن تمثيلها سلطان الفور أحمد دينار الذي جاء ظهوره والحرب قد دمرت متحف السلطان “سيد الاسم” على دينار بالفاشر، ومن ناحية سياسية فإدراجه في قائمة الموقعين جعل الأمر يبدو كأنها محاولة تعويض لغياب حركة تحرير السودان قيادة الأستاذ عبد الواحد نور من الوثيقة، والذي أمسك حتى الآن عن الإدلاء بأي تصريح، غياب نور وتحالف حركة التحرير بقيادة مناوي والاستقالات التي كشف عنها الإعلام لمؤيدي الحركة الشعبية قيادة الحلو بغرب دارفور، ومحاولة تمثيل المساليت بملك المساليت بمنطقة قريضة وليس السلطان سعد بحر الدين، يكشف أن موقف المجموعات السكانية الثلاث الذين يعبرون عن أكبر سجل للضحايا والنازحين واللاجئين بدارفور خارج وثيقة نيروبي، فالبديهي أن موقف هذه المجموعات مرتبط بالعدالة كقضية جوهرية كامتداد لغياب المحاسبة منذ اندلاع أزمة السودان في دارفور 2003، بينما يظل التطابق النظري بين الإدارة الأهلية والقبيلة أمر في غاية الخطورة مثله مثل الاعتماد على القبيلة في التحليل السياسي، بالضرورة سيقود إلى نتائج خاطئة.

بالنظر إلى قائمة التوقيعات فإن شرق السودان جاء متضمناً إلى القوى الموقعة بمؤتمر البجا المعارض والأسود الحرة، ونفوذ الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل “مريدي سيدي الحسن”، جنوب كردفان الذي شملت خريطته الحركة الشعبية والحزب القومي السوداني، بإخراج ممثل المهنيين والفنيين الدكتور علاء نقد، والتجمع الاتحادي فإن الغالبية تمثل حركات انشقت تاريخياً من حركة تحرير السودان، بينها أربع مجموعات من موقعي وثيقة سلام السودان 2020، فيما جاء الجديد هو توقيع قمم الذي يمكن النظر إليه من زاوية مقابلة لصمود أو نتاج انشطار تحالف تقدم.

وفقاً للوثيقة بأن أطرافها سيسعون إلى تكوين جيش من قوات المجموعات المسلحة المنضوية تحت الاتفاق، وهنا يثور السؤال حول موقف ممثلي المجتمع المدني، الفئات والشخصيات المستقلة من الخطوة لأنها قد تكون مفهومة موضوعياً في سياق السلم أما الحرب الراهنة فهذا قد يمتد إلى تطور آخر.

بالرغم من أن الحركة الشعبية لتحرير السودان قيادة الحلو قد منحت زخماً لاتفاق نيروبي، فإن الأمر يعيد النظر إلى تحالف الجبهة الثورية السابق فإلى جانب الحركة هنالك حركة العدل والمساواة قيادة صندل والقائد أبو القاسم إمام الذي كان حينها تحت حركة تحرير السودان قيادة عبد الواحد نور إلا أنه مثل في  نيروبي تحت حركة تحرير السودان الثورة الثانية، فجميع الأطراف كانوا في ذاك التحالف الذي انفض عقب هجوم أبوكرشولة في 2014 بوقت قصير.

في ظل انعقاد المؤتمر استمر هجوم الدعم السريع على الفاشر، وكان كل من دكتور الهادي إدريس والأستاذ الطاهر حجر قد أعلنا الحياد من المجموعات الأخرى التي تحالفت مع الجيش لتصبح القوة المشتركة التي تولت الدفاع ومقاومة سيطرة الدعم السريع على الفاشر، موقف كل من إدريس وحجر كان قد تطور إلى عمليات إجلاء المدنيين وحماية قوافل محدودة من الإغاثة لتصل معسكر زمزم بشمال دارفور، الانضمام للوثيقة يعلن عملياً موقفاً جديداً للهادي وحجر من حالة الفاشر، الأمر الذي يضع الامتحان الأول للتحالف وعنوان حكومة السلام، لأن الهجمات تعرض المدنيين للخطر بشكل رئيسي.

قبل أن يتم التوقيع على وثيقة نيروبي استمر القصف الجوي من قبل طيران الجيش لمناطق بدارفور وجنوب كردفان، الأمر الذي قد يقلل من التأثيرات التنظيمية المحتملة داخل بعض الحركات الموقعة، ولاسيما الحركة الشعبية، لأن استمرار الهجوم الجوي يمنح شرعية اكبر ويقلل من الأصوات الناقدة داخلياً.

بالتوقيع من الممثلين على الوثيقة ينسدل الستار على الجزء الأول من العملية، ليطل الجزء الثاني المرتبط بإدارة التحالف وهو ما ظل يمثل التحدي الأكبر على مر سجل التحالفات السياسية والعسكرية في السودان،  التي من ضمنها أسئلة الشرعية للمجموعات المختلفة التي انقسمت (عملياً) من بعض الأحزاب أو الحركات المسلحة، وكذلك موقف المجتمعين الدولي والإقليمي من التحالف، في كل الأحوال تراجع تقدم وانقسامها، والتحالف الجديد وموقف الجيش الذي يظهر في استمرار العمليات العسكرية بما في ذلك القصف الجوي، يقابله موقف الدعم السريع في مواصلة القتال بما في ذلك الهجوم المستمر على الفاشر يشير إلى رجحان استمرار الحرب إلى فترة ليست بالقصيرة، وقد تنتقل لمناطق أخرى، بالإضافة إلى انتشار معسكرات التدريب العسكري إلى مناطق أخرى داخل وخارج السودان، مع ازدياد التسليح كماً ونوعاً لأن معادلة الحرب تمضي اضطراداً مع الأطراف الخارجية الداعمة للحرب.

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *