اخبار السودان

نلتقيك اليوم ياوطني لقاء الأوفياء

هلال وظلال

عبد المنعم هلال 

 

في ذكرى الراحل الفنان محمد وردي الذي غنى للوطن كثيراً نستعرض أغنية (عرس الفداء) التي صاغ كلماتها الشاعر مبارك بشير الذي عمل في مجالات الثقافة والإعلام، وله إسهامات شعرية وغنائية بارزة، حيث تغنى بأشعاره فنانون كبار وتوفي في 11 فبراير 2021م.

هذه الأغنية الوطنية تعد واحدة من روائع الشعر الغنائي السوداني فهي تحتفي بتاريخ السودان النضالي وتمجد رموزه وشهداءه الذين قدموا أرواحهم فداءً للوطن القصيدة مكتوبة بلغة شاعرية غنية بالصور البلاغية والاستعارات التي تجسد الروح الوطنية المتوهجة.

 

(نلتقيك اليوم ياوطني لقاء الأوفياء)

الشاعر يستهل الأغنية بتأكيد الولاء للوطن وكأن هناك لقاءً بين الأوفياء وأرضهم. الوطن هنا ليس مجرد بقعة جغرافية، بل كيان حي يلتقي بأبنائه الذين يبادلون الوفاء بالوفاء.

 

(قد تنادينا خفافاً كخيول الريح في جوف العتامير)

هنا صورة بلاغية بديعة حيث يشبه استجابة أبناء الوطن لندائه بسرعة الخيول التي تهب كالريح في صحراء العتامير وهي مناطق صحراوية قاحلة في السودان مما يرمز إلى الاستعداد الفوري للدفاع عنه مهما كانت الظروف الصعبة.

 

(لك يا أرض البطولات… وميراث الحضارات… نغني اليوم في عرس الفداء)

هنا يبدأ التمجيد الفعلي للوطن بوصفه أرضاً مشبعة بالتاريخ العريق والبطولات و(عرس الفداء) هو تعبير عن فرح الشهادة والتضحية من أجل الحرية حيث يجسد الفداء كعرس وهو قمة المجد والاحتفال.

 

(هاهنا… يبتسم النهر القديم لبعانخي ولترهاقا وللمهدي…لعلي عبد اللطيف)

النهر هنا يرمز إلى النيل الأزرق والنيل الأبيض وهما شريان الحياة في السودان و(يبتسم) مجازًا فرحًا ببطولات الأجداد. الأسماء المذكورة هي شخصيات تاريخية صنعت مجد السودان:

بعانخي وترهاقا من أعظم ملوك مملكة كوش حكموا مصر والسودان وامتد نفوذهم في إفريقيا.

المهدي قائد الثورة المهدية الذي أسس دولة إسلامية في السودان وقاد حرب التحرير ضد الاستعمار.

علي عبد اللطيف أحد قادة الحركة الوطنية ضد الاستعمار البريطاني في القرن العشرين.

 

(ولعبد القادر ود حبوبة … للقرشي)

عبد القادر ود حبوبة زعيم مقاومة ضد الاحتلال البريطاني أُعدم شنقاً.

القرشي إشارة إلى الطالب أحمد القرشي طه الذي استشهد في ثورة أكتوبر 1964م فأصبح رمزاً للثورة السودانية.

 

(لصمود الغرب في كرري … وللموت الفدائي العظيم)

كرري معركة تاريخية بين قوات المهدية وجيش الاستعمار البريطاني عام 1898م والتي رغم الهزيمة فيها أظهرت صمود السودانيين واستبسالهم.

الموت الفدائي العظيم إشارة إلى الشهادة في سبيل الوطن حيث يصبح الموت تضحية مقدسة.

 

(نذكر الآن جميع الشهداء كل من خط على التاريخ سطراً بالدماء)

يؤكد الشاعر أن التاريخ الحقيقي يكتبه الشهداء بدمائهم، وليس بالحبر مما يعكس روح الفداء والتضحية.

 

(نذكر الآن جميع الشرفاء كل من صاح في وجه الظلم … لا)

التحية هنا لكل من رفض الظلم فالشاعر لا يقتصر على الشهداء بل يشمل كل من ناضل ووقف ضد الاستبداد.

 

(نحن أبناؤك في الفرح الجميل، نحن أبناؤك في الحزن النبيل)

يُظهر الشاعر الانتماء العميق للوطن حيث يكون الشعب مع الوطن في أفراحه وأحزانه.

 

(ونغني لك يا وطني كما غنى الخليل)

الخليل إشارة إلى خليل فرح أحد رموز الأغنية الوطنية السودانية.

 

(مثلما صدحت مهيرة تلهم الفرسان جيلاً بعد جيل)

مهيرة بت عبود شاعرة سودانية حماسية حفزت الرجال على القتال ضد المستعمر بكلماتها القوية.

 

(ونغني لحريق المك في قلب الدخيل)

حريق المك قد يكون إشارة إلى مقاومة الممالك السودانية للاستعمار أو المك نمر الذي أحرق القائد الغازي إسماعيل باشا انتقاماً منه.

 

(للجسارة حينما استشهد في مدفعه عبد الفضيل)

عبد الفضيل ألماظ أحد قادة ثورة 1924م قاتل حتى اللحظة الأخيرة ضد القوات الاستعمارية واستشهد بجانب مدفعه.

 

(نكحل اليوم مآقينا بمرواد الصلابة، وبإيمان كإيمان الصحابة)

تشبيه رائع حيث يستمد الشعب السوداني قوته من صلابة المناضلين الأوائل تماماً كما كان الصحابة ثابتين على مواقفهم في وجه الظلم.

 

(سوف نفديك دواما .. ونناديك هياما فلتعش حراً أبياً .. في مهابة)

يختتم الشاعر الأغنية بتأكيد الالتزام الأبدي بفداء الوطن حيث يجمع بين الحب العاطفي (هياماً) والإصرار على التضحية لينتهي بالدعاء للوطن بأن يظل حراً عزيزاً مهابا.

 

الأغنية تمثل ملحمة وطنية تمتد عبر التاريخ من بعانخي إلى القرشي وتجمع رموز النضال عبر العصور.

توظيف الاستعارات والصور البلاغية يعزز الإحساس بالفخر والاعتزاز بالوطن.

الكلمات تحمل روح المقاومة مما يجعلها صالحة للتحفيز في لحظات النضال.

تظهر الأغنية أن النضال ليس لحظة بل مسيرة مستمرة وأن الأجيال القادمة ستحمل الراية.

(عرس الفداء) ليست مجرد أغنية بل وثيقة تاريخية تجسد روح السودان النضالية وتمثل دعوة مستمرة للحفاظ على الإرث الوطني والحرية.

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *