اخبار المغرب

تسليم المجال الجوي للصحراء.. المغرب ينتظر ترجمة أقوال الاعتراف الإسباني إلى أفعال

رغم التطور الملحوظ الذي شهدته العلاقات المغربية الإسبانية في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد الدعم القوي الذي قدمته إسبانيا للمغرب في قضيته المتعلقة بالحكم الذاتي للصحراء المغربية، يظل ملف تسليم المجال الجوي للأقاليم الجنوبية المغربية قضية عالقة تثير تساؤلات عديدة.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل البلدين، والاتفاقيات التي تم توقيعها بشأن فتح الجمارك بين المغرب ومدينتي سبتة ومليلية، والتي بدأت تشهد طريقها للتسوية تدريجياً، إلا أن موضوع تسليم المجال الجوي لأقاليم المغرب الجنوبية ما يزال بقاعة الانتظار.

التأخير الملحوظ في تنفيذ هذا الاتفاق حسب مراقبين، يثير العديد من التساؤلات حول الخلفيات التقنية والسياسية التي قد تكون وراء هذا التأخير، في وقت تحتاج فيه العلاقات الثنائية إلى مزيد من الانفتاح والتعاون في مختلف المجالات، وترجمة الأقوال إلى أفعال.

دعم مدريد

في هذا السياق أكد خبير الشؤون الاستراتيجية، هشام معتضد، في تصريح لجريدة “العمق”، أن العلاقات العلاقات المغربيةالإسبانية شهدت تحسنا ملحوظا، خاصة بعد دعم مدريد لمبادرة الحكم الذاتي، مما ساهم في تعزيز التعاون بين البلدين، ومع ذلك، فإن ملف تسليم المجال الجوي للأقاليم الجنوبية لا يزال معلقا، رغم مرور عقود على انسحاب إسبانيا من الصحراء.

هذا التأخر حسب المتحدث ذاته، يطرح العديد من التساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء استمرار مدريد في الاحتفاظ بهذه الصلاحيات، في وقت يبذل فيه المغرب جهودا كبيرة لتعزيز شراكته الاستراتيجية مع إسبانيا بروح المسؤولية وحسن الجوار.

وأوضح المحلل السياسي أن المغرب يتعامل مع هذا الملف بنهج متزن يقوم على تعزيز سيادته الوطنية بطريقة تدريجية، مسجلا أن المملكة المغربية ورغم المماطلة الإسبانية، نجحت في تطوير بنيتها التحتية الجوية وتعزيز قدراتها في مجال المراقبة والسيطرة، مما يجعلها مؤهلة اليوم لإدارة مجالها الجوي بكفاءة.

واعتبر الخبير المغربي المقيم بكندا، أن هذه المقاربة تعكس نضجا دبلوماسيا، حيث لم تجعل الرباط من هذا الملف عامل توتر، بل اعتمدت على تقوية موقعها الجيوسياسي وتحقيق استقلالية استراتيجية أكبر.

سيطرة غير مبررة

من ناحية أخرى، أبرز معتضد أن إسبانيا تسعى إلى كسب الوقت عبر تبني موقف ضبابي في هذا الملف، ورغم إعلان دعمها الواضح لمغربية الصحراء، فإنها “لا تزال تحتفظ بسيطرة غير مبررة على جزء من المجال الجوي المغربي”.

هذا التناقض حسب الخبير الاستراتيجي، يعكس استمرار تأثير بعض التوجهات التقليدية داخل دوائر القرار الإسبانية، التي لا تزال تتعامل مع المنطقة بمنطق النفوذ القديم، بدلًا من بناء شراكة متوازنة تحترم الحقوق السيادية للمغرب.

وسجل معتضد، أنه لا يمكن إنكار أن هناك أبعادا اقتصادية في هذا التأخير، حيث تستفيد إسبانيا ماليا من إدارة الحركة الجوية في المنطقة، مما قد يفسر ترددها في التخلي عن هذا الامتياز، علاوة على ذلك، فإن استعادة المغرب لمجاله الجوي بالكامل سيمنحه استقلالية أوسع في قراراته الاستراتيجية، وهو ما قد لا يخدم بعض المصالح الإسبانية التي لا تزال ترى في المغرب منافسا إقليميا في مجالات متعددة، خاصة في الربط الجوي بين أوروبا وإفريقيا.

وشدد الخبير المغربي، على  أنه بالرغم من هذه العراقيل، فإن المغرب يستمر في تحمل مسؤولياته الأمنية بكفاءة عالية، سواء في تأمين حدوده أو في محاربة التهديدات الإقليمية، مما جعله شريكا رئيسيا للاتحاد الأوروبي في قضايا الأمن والاستقرار، معتبرا أن “استمرار إسبانيا في هذا النهج المتردد قد يؤدي إلى خلق ثغرات أمنية يمكن استغلالها من قبل شبكات التهريب أو الجماعات المتطرفة، وهو أمر لا يصب في مصلحة أي من الطرفين”.

تعطيل فرص التعاون

على الصعيد الاقتصادي، شدد خبير الشؤون الاستراتيجية، أن هذا التأخير يعطل بعض فرص التعاون بين البلدين، فالمغرب يعمل على تعزيز مكانته كمركز استراتيجي في حركة الطيران المدني، ويرى أن استعادة سيادته الكاملة على مجاله الجوي أمر ضروري لمواكبة تطلعاته التنموية، مسجلا أن  استمرار إسبانيا في تعطيل هذا الملف قد يكون له تأثير سلبي على مصالحها الاقتصادية، خاصة مع تنامي المنافسة في مجال النقل الجوي والتجارة بين أوروبا وإفريقيا.

في ظل هذه المعطيات، تواصل الرباط نهجها القائم على الحوار والتفاوض لحل الملفات العالقة، لكنها في الوقت نفسه لا تتوقف عن تعزيز استقلالية قرارها السيادي، وإذا استمر هذا التأخير لفترة أطول، فقد يؤدي إلى إعادة تقييم العلاقات بين البلدين، خاصة أن المغرب أظهر التزاما تاما بكل الاتفاقيات الثنائية، سواء في محاربة الهجرة غير الشرعية أو في التعاون الأمني والاقتصادي.

وخلص خبير الشؤون الاستراتيجية، إلى  أن إسبانيا مطالبة باتخاذ خطوة حاسمة لإنهاء هذا الملف، خاصة أن استمرار المماطلة قد يؤثر على مستوى الثقة بين البلدين، وفي المقابل، يواصل المغرب مساره بثبات، مستندا إلى موقعه الاستراتيجي وقوته الدبلوماسية، مما يجعله قادرا على فرض سيادته الكاملة على أقاليمه، سواء بتعاون إسباني أو بدونه.

تجاوز المشاكل التقنية

ومن جانبه، اعتبر خبير العلاقات الدولية، خالد الشيات، أن المملكتين توصلتا سنة 2022 إلى تفاهم نتج عنه اعتراف إسبانيا بمبادرة الحكم الذاتي المقترحة من قبل المغرب، معتبرا أن “تسليم المجال الجوي للأقاليم الجنوبية للمملكة كانت ضمن النقاط المرتبطة بهذا التفاهم”.

وأشار الشيات في تصريح لجريدة “العمق” إلى أن هذا المعطى لا يعني بالضرورة أن هناك تحكما من قبل إسبانيا في الأقاليم الجنوبية، ولكن الموضوع يكتسب رمزية أكبر من بعده التقني، مسجلا تجاوز بعض الأدوات التقنية المتعلقة بالمغرب، حيث تم بناء منصة مراقبة حديثة في مدينة أكادير، بالإضافة إلى مدينة الدار البيضاء، ونتيجة لذلك، أصبحت المملكة المغربية مقسمة إلى قسمين، الأول يتعلق بالقسم الشمالي الذي يرتبط بمدينة الدار البيضاء، فيما يخص القسم الجنوبي الذي يرتبط بمحطة أكادير.

وأوضح أستاذ العلاقات الدولية بجامعة وجدة،  أن هذه التغييرات جاءت بعد تأخر ملموس قد يكون له ارتباط بتفاهمات أخرى، تزامنا مع تعزيز العلاقات المغربية الإسبانية بعد الدعم الذي قدمته إسبانيا للموقف المغربي في قضية الصحراء المغربية.

وفيما يتعلق بتأثير هذا التفاهم على العلاقات بين المغرب وخصومه التقليديين، أبرز الشيات أن الجزائر وجبهة البوليساريو كانت قد أبدت رفضا شديدا لهذا التفاهم، حيث هددت البوليساريو باللجوء إلى القضاء الأوروبي للطعن في القرار، مسجلا أن الجزائر كثفت الضغوط على إسبانيا بهدف تأخير تنفيذ هذا التفاهم.

حسابات دقيقة

ولمحّ الشيات إلى أن هذه الديناميكيات السياسية تسلط الضوء على الحسابات الدقيقة التي تجري في إسبانيا بخصوص هذا الموضوع، حيث توجد جوانب سياسية أخرى قد تؤثر على توقيت تنفيذ الاتفاقات التقنية المتعلقة بمراقبة الأجواء المغربية في الأقاليم الجنوبية.

جدير بالذكر أن مدينة سبتة المحتلة كانت تستعد تنفيذ أول عملية استيراد للأسماك الطازجة من المغرب خلال هذا الأسبوع، في خطوة تعد الأولى من نوعها ضمن جهود تعزيز التبادل التجاري بين الجانبين، حيث أكدت مندوبة الحكومة في سبتة، كريستينا بيريز، أن السلطات المحلية تعمل على استكمال جميع الوثائق المطلوبة لضمان انطلاق العملية دون عراقيل.

وأوضحت بيريز أن السلطات تركز على إنجاح هذه الخطوة التجارية، مشيرة إلى أنه سيتم تنفيذ عمليتين يوميا، واحدة للاستيراد وأخرى للتصدير، من الاثنين إلى الجمعة، ضمن خطة لتفعيل الجمارك التجارية بشكل تدريجي.

وحسب ما أوضحته الوكالة الإسبانية غير الرسمية “أوروبا بريس”فإن مندوبة الحكومة عقدت اجتماعا مع رجال الأعمال المحليين، بهدف تزويدهم بكافة المعلومات اللازمة حول الإجراءات المطلوبة لإنجاز العمليات التجارية الجديدة.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *