ملاحظات منهجية حول شجاعة نقد تجرية الممارسة السياسية

الأرض المحروثة لا تحرث مرتين..ويجب عدم تدوير الخطاب المستهلك
بناء الرؤية أو تجديدها تستلزم من الفاعل السياسي الإصلاحي تقييم أدائه بصرامة منهجية وأخلاقية.فالمسؤولية السياسية والأخلاقية تقتضي من الفاعل الذي يتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام من موقع السلطة التنفيذية، تقييم أدائه السياسي بإنجازاته وإخفاقاته، على ضوء برنامجه السياسي وعلى ضوء وعوده الانتخابية.
والحزب السياسي الذي يحترم نفسه ويحترم تعاقده مع الشعب، هو الذي يكون قادرا على نقد ممارسته السياسية بشجاعة ونقد أداء باقي الفاعلين الذين يتقاسمون معه المسؤولية.وحده التقييم الموضوعي والنقد الذاتي يسمح ببناء رؤية واضحة ومتجددة تمتلك القدرة على تجاوز أخطاء الماضي وزرع الأمل والثقة في المستقبل.أما إعادة تدوير الخطاب المستهلك فهو مجرد استهلاك للزمن السياسي، قد ينجح في ملئ الفراغ ولكنه لا يصمد أمام أسئلة الإصلاح الحقيقية..
ملاحظات منهجية:
أولا، لابد من التنبيه إلى أن النقد المقصود، هو نقد مزدوج، فبقدر ما يتوجه إلى الذات الحزبية بعقل مفتوح ولا يرى أي عقدة في إشراك الناس في “الهموم الداخلية”، ويضع تجربته تحت أنظار الجميع، بقدر ما يتوجه للفاعلين بمختلف مستوياتهم من أجل بناء وعي سياسي موضوعي حول الممارسة السياسية المغربية التي تظل محكومة بالكثير من الأعطاب.
ثانيا، النقد الذي ندافع عنه لا يهدف إلى تحديد المسؤوليات أو المس بالمراكز الاعتبارية للأفراد والمؤسسات، ولكنه يهدف إلى ضرورة استخلاص دروس من النقد المزدوج (نقد الفاعلين ونقد الذات الحزبية)، واستنفار العقل الجماعي لإعادة بناء رؤية جديدة للعمل السياسي تتجاوز ما كشفت عنه الممارسة من اختلالات.
ثالثا، النقد الذي ندافع عنه ينطلق من التسليم بأن الأطروحة العملية التي تأسست عليها الممارسة التدبيرية لحزب العدالة والتنمية بعد رئاسته للحكومة والتي جرى العمل بها في الواقع، وصلت إلى منتهاها بعد “البلوكاج” الشهير، وكشفت عن فراغات عديدة تحتاج لبناء رؤية متجددة تسائل المنهج والخطاب والمعجم السياسي المستخدم وطريقة صناعة القرار، لأن أخطر ما يمكن أن يحصل للفاعل السياسي هو ممارسة السياسة بدون رؤية سياسية وفكرية متماسكة، والإصرار على تكرار مقولات ثبتت محدوديتها أو خطؤها، وهو ما يحول الممارسة السياسية، مع الزمن، إلى مجرد انتهازية ظرفية، أو طريقة في استهلاك الزمن السياسي بدون أفق إصلاحي واضح، بل قد تتحول أحيانا إلى أداة من أدوات التموقع لخدمة الوجاهة التنظيمية والاجتماعية وكبح أي محاولة للتجديد والإبداع.
رابعا، التقييم الذي نرمي إليه لا يهتم بتقييم تجربة العدالة والتنمية في عموميتها، أو ما يسميه البعض بالقراءة الجماعية للتجربة، بل المقصود هو تقييم تجربة المشاركة في السلطة التنفيذية، وتقييم منجزها الديموقراطي والسياسي أساسا، وتقاسم الخلاصات الأساسية مع الناخبين باعتبارهم طرف في التعاقد الانتخابي والسياسي على أرضية أطروحة سياسية سميت في وقتها ” النضال الديموقراطي مدخلنا للإصلاح” وتطورت إلى “الشراكة من أجل البناء الديموقراطي”، وهما يمثلان الوثائق المرجعية الأساسية في التقييم، إلى جانب الالتزامات المعلنة في التصاريح الحكومية الذي على أساسها تنال الحكومة الثقة في البرلمان، وإلا فما الفائدة من صياغة هذه الوثائق وعقد المؤتمرات الوطنية للمصادقة عليهما، وما فائدة التنصيب البرلماني للحكومة.
المصدر: العمق المغربي