“لقاء أخوي” في الرياض حول مستقبل الفلسطينيين بدون حضورهم

“لقاء أخوي” في الرياض حول مستقبل الفلسطينيين بدون حضورهم
صدر الصورة، Saudi Press Agency/Handout via REUTERS
استضافت العاصمة السعودية الرياض، اليوم، “لقاءً أخوياً ودياً” دعا إليه ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، جمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر، لبحث موقفها من خطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حول “نقل سكان قطاع غزة إلى دول مثل مصر والأردن”.
وأفاد مصدر مقرب من الحكومة السعودية وكالة “فرانس برس” بأنّ القادة العرب سيناقشون “خطة إعادة إعمار مضادة لخطة ترامب بشأن غزة”. ولم تعلن مصر بعد رسميّاً تفاصيل خطتها. لكن دبلوماسيّاً مصريّاً سابقاً تحدّث عن خطة من “ثلاث مراحل تُنفّذ على فترة من ثلاث الى خمس سنوات”.
ونقلت صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، عن مصدر سعودي مسؤول، قوله إن هذا اللقاء يأتي في سياق اللقاءات الودية بين قادة مجلس التعاون والأردن ومصر، في إطار العلاقات الأخوية الوثيقة التي تجمعهم.
وأشار المصدر إلى أنه “في ما يتعلق بالعمل العربي المشترك وما يصدر من قرارات بشأنه، فإنه سيكون ضمن جدول أعمال القمة العربية الطارئة القادمة التي ستنعقد في مصر” في 4 مارس/ آذار المقبل.
وسعت الرياض إلى خفض سقف التوقعات المتعلقة بالقمة، من خلال تأكيدها أن الاجتماع هو “لقاء أخوي غير رسمي” بين القادة، وأن قراراته ستكون ضمن جدول أعمال القمة العربية الطارئة، أي أن لقاء اليوم، كان بمثابة اجتماع تمهيدي غير رسمي، للقمة الرسمية في مصر الشهر المقبل.
تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
قصص مقترحة نهاية
لكن انعقاد اللقاء للبحث في مسألة مستقبل غزة، جاء بدون مشاركة فلسطينية، ما طرح أسئلة عدة حول سبب هذا الغياب.
صدر الصورة، Getty Images
“غياب غير مفهوم”
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه نهاية
يقول الدكتور حسن خريشة، نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، إن عقد قمة عربيةخليجية دون حضور فلسطيني، سواء عبر السلطة أو الفصائل الفلسطينية، وموضوع القمة هو الشأن الفلسطيني الداخلي، يعدّ أمراً غير مفهوم وغير مسبوق.
ويعتقد أن القول بأن اجتماع اليوم هو اجتماعٌ أخويٌّ للتشاور وليس اجتماعاً رسمياً، يبدو و”كأنه خطوة تبريرية لعدم دعوة السلطة الفلسطينية أو أي ممثل فلسطيني في هذا الشأن”. ويشير أيضاً إلى أن الأمور غير واضحة حالياً فيما يتعلق بما يطالب به المقترح المصري، الذي كان محور اجتماع اليوم في الرياض. ويؤكد على أهمية معرفة ما إذا كان المشروع العربي الجديد، الذي تتبناه مصر، يشكل مواجهة لمشروع ترامب، أم أنه امتداد لمبادرة السلام العربية لعام 2002.
مبادرة السلام العربية هي خطة سلام قدمتها السعودية خلال القمة العربية في بيروت في مارس/آذار 2002. نصت المبادرة على انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو/حزيران 1967، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان.
كما دعت إلى التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، وقبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو/حزيران 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتكون عاصمتها القدس الشرقية.
في المقابل، تقوم الدول العربية باعتبار النزاع العربيالإسرائيلي منتهياً، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة، وإنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل.
ويقول خريشة إن إسرائيل رفضت هذه الخطة منذ البداية، ويتساءل عن مدى إمكانية نجاح هذه الخطة نفسها مجدداً بعد 23 عاماً على طرحها لأول مرة.
“حديث صريح”
من جهته، يقول الكاتب والباحث في العلاقات الدولية، الدكتور سالم اليامي، في اتصال مع بي بي سي عربي من الرياض: “إننا لسنا متأكدين من عدم دعوة السلطة الفلسطينية إلى هذا الاجتماع. إذ قد تكون قد دُعيت، إلا أنها لم تكن جاهزة للحضور لسبب ما، ربما تبعاً لظروف التنسيق الفلسطينيالفلسطيني”. ويضيف: “ولكن في تقديري الشخصي، وُجِّهت لها الدعوة، لأنه لا يمكن التباحث في قضية الشعب الفلسطيني من دون ممثل عنه”.
ويشير إلى أنه في حال لم تُدعَ من الأصل، “فلربما حصل ذلك ليكون هناك نوع من الحديث الصريح حول المعضلة الفلسطينية. إذ هناك مشكلة فلسطينيةفلسطينية في المقام الأول. فالفلسطينيون ليسوا جسماً سياسياً واحداً، ولا جسماً أمنياً واحداً، ولا جسماً عسكرياً واحداً، ولا جسماً مطالباً بحل واحد معين مع الجانب الإسرائيلي”. ويفسر ذلك قائلاً: “فهناك فصائل مختلفة ليس لديها صفة رسمية في النظام، إلى جانب السلطة الوطنية الرسمية التي لديها اعتراف دولي وتمثل ضمنياً أو شكلياً دولة فلسطين، الحالية على الأقل”.
ويضيف: “كثيرة ومختلفة هي هذه الفصائل، فمنها الجهادي ومنها المسلح والعسكري، ومنها النظامي وغير النظامي والقانوني وغير القانوني. وهذه الجهات كلها بحاجة إلى تناغم واندماج وتفاهم على المواقف، وهو أمر ليس بالسهولة التي نتخيلها، مما يجعله واحداً من المعضلات التي تعترض أي حل يفكر فيه الجانب العربي”. ويشير قائلاً: “إن لم تتم دعوة الجانب الفلسطيني، فقد يكون ذلك نابعاً من عدم الرغبة في إحراج هذا الطرف الفلسطيني أو ذاك”.
ماذا عن سلاح حماس؟
إلى جانب المقترح المصري والرد على خطة ترامب، يعدّ مستقبل سلاح حماس من أبرز الأسئلة المطروحة على الطاولة. ويقول سالم اليامي إن “الكل يعرف أن إحدى المشاكل التي أدت إلى السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وما نتج عنه لاحقاً، كان سلاح حماس أو وجودها”.
ويضيف لبي بي سي عربي: “حماس كتلة كبيرة تمثل قسماً من الشعب الفلسطيني، ولها تأثير ونفوذ، وحاولت تقديم نفسها على أنها تمثل حلاً. وبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلنت استعدادها للتفاوض مع الجانبين الأمريكي والإسرائيلي، بشرط إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة، وحكم خالص للشعب الفلسطيني، أي أنها تريد تقديم نفسها كدولة. وهذا، في تقديري، يمثل إحدى الإشكاليات”.
ويشرح قائلاً: “الموقف الأمريكي والإسرائيلي والعربي اليوم، حتى وإن لم تصرّح الجهة الأخيرة بذلك علناً، هو أن جميع هذه الأطراف غير راضية عن دور حماس، وتعتبره عائقاً أمام أي بارقة أمل أو اتفاق يمكن التوصل إليه”.
ويشير إلى أن “الخطة العربية أو المصرية التي يجري الحديث عنها الآن، إلى جانب موقف الجامعة العربية وبعض المسؤولين المصريين، تفيد بضرورة أن تتحلى حماس بالشجاعة لمغادرة المشهد في هذه المرحلة، لأن انسحابها من المشهد حالياً يُعدّ أمراً مطلوباً”.
ونقلت وكالة رويترز عن مصادر أمنية مصرية، أن اقتراح القاهرة يتضمّن تشكيل لجنة فلسطينية لحكم قطاع غزة دون مشاركة حماس، إضافة إلى المضي نحو حل الدولتين. وتحدثت المصادر للوكالة عن إجبار حماس على التخلي عن أي دور في غزة، مع تشكيل قوات عربية ودولية مؤقتة لمساعدة السلطة الفلسطينية في إدارة القطاع في البداية.
وكانت قناة القاهرة الإخبارية الممولة من الحكومة المصرية نقلت عن مصدر مصري مطلع لم تسمه، أن حركة حماس لن تلتزم بالمشاركة في إدارة قطاع غزة في المرحلة المقبلة، مع التزامها بالمراحل الثلاثة لاتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، مضيفاً أن هناك اتصالات مصرية مكثفة لتشكيل لجنة مؤقتة للإشراف على عملية “إغاثة وإعادة إعمار القطاع”.
وسبق أن قالت حماس إنها مستعدة للتخلي عن حكم غزة للجنة وطنية، لكنها تريد أن يكون لها دور في اختيار أعضائها ولن تقبل نشر أي قوات برية دون موافقتها.
وتعتقد المصادر التي تحدثت لرويترز، أن الخطة كافية لتغيير رأي ترامب، ويمكن فرضها على حماس والسلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس.
صدر الصورة، Reuters
خروج حماس من المشهد السياسي
يقول الباحث سالم اليامي إن “المنظومة الدولية، التي قد ترعى أي اتفاقية، مقتنعة بأن حماس ارتكبت فعلاً شنيعاً في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو السبب وراء هذا الدمار الذي شهدته المنطقة على المستويين الأمني والسياسي، بحسب رأيها”.
ويضيف: “أنا أرى أن حماس جزء من الحل، عبر عملية تبادل الأسرى على سبيل المثال، لكنها أيضاً سبب أساسي في المشكلة، إذ إن وجودها يعطل أي حلّ قادم، كما أنها تمثل جزءاً من الإشكالية في التعاطي الفلسطيني الداخلي”.
ويؤكد أن “السلاح أحد المشاكل الأساسية، إذ إن الطرف الإسرائيلي دائماً ما يقول إن هذا السلاح، سواء كان سلاح حماس أو الجهاد الإسلامي، يمثل تهديداً وجودياً لإسرائيل”.
ويضيف: “لم يقل الإسرائيليون، على سبيل المثال، إن الدولة المصرية أو الأردنية، وجيشيهما، يمثلان تهديداً وجودياً لإسرائيل، ولا جيوش أي دولة أخرى، لكنهم يعظّمون المخاوف من هذه التنظيمات الخارجة عن سلطة الدولة”.
ويشير إلى “تفصيل مهم أيضاً في مسألة تسليح هذه التنظيمات”، مما يزيد من تعقيد الحلول، وهو أنها “تُسلَّح وتُموَّل من قبل دول مثيرة للجدل في المنطقة، مثل إيران وجماعة الإخوان المسلمين”، بحسب تعبيره.
من جهته، يقول حسن خريشة إن المقترح المصري، الذي تتم مناقشته حالياً، يطالب بخروج حماس من المشهد السياسي، إلا أن إسرائيل، على حد قوله، “تطالب بخروج كلٍّ من حماس والسلطة الفلسطينية معاً”.
ويعتبر أن إسرائيل “تسعى إلى نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، وإخراج قادتها خارج البلاد، كما حدث عام 1982، عندما تم نفيهم إلى بيروت”.
ويرى أن رغبة السلطة الفلسطينية في حكم غزة منفردة لن تكون سهلة التطبيق، إذ إن سكان القطاع قد يعتبرون أن السلطة الفلسطينية عزلت نفسها خلال الحرب، وكأنها غير معنية بالقطاع أو بسكانه، على حدّ تعبيره.
كما يشير إلى أن أي رغبة في جعل غزة منطقة تخضع لإدارة مصرية “لن تكون سهلة أو مقبولة” لدى كثيرين. ويوضح أن “هناك حديثاً عن إمكانية نشر جيش مصري على الحدود، وهو ما يثير مخاوف البعض في القطاع”، لكنه يرى أن “الوقت قد فات على هذا النوع من الحلول”.
ما مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟
بحسب اليامي، تعتقد إسرائيل أن “الدعم الغربي لها، وتفوقها في مجالات عدة، من بينها المجال العسكري، سيخضع الأطراف الأضعف منها. ولكن حالة الفلسطينيين مختلفة، إذ إنهم يعانون من سلب أراضيهم واحتلالها والاستيطان. فإذا أُزيلت فكرة الاحتلال والاستيطان، ومُنح الفلسطينيون أرضاً محددة ذات حدود واضحة تضمن قيام دولتهم، أعتقد أن الكثير من الأمور ستُحلّ”.
ومن جهته، يرى خريشة أن “عهد المساومات قد بدأ، فالأردن يقول إنه ينتظر الخطة المصرية، ومصر تقول إنها تنتظر اللجنة الخماسية، واللجنة الخماسية توجّهت إلى قمة عربية، والقمة العربية أحالت الأمر إلى قمة عربيةإسلامية. يبدو أن كل طرف يرمي الكرة في ملعب الطرف الآخر”، على حدّ تعبيره.
ويضيف أنه، من جهة أخرى، “يبدو أن هناك إجماعاً، خصوصاً بين مصر والأردن، على رفض التهجير ورفض التوطين”. ويعتبر أن “هذا الموضوع بحاجة إلى تعزيز، ويجب أن يأتي هذا التعزيز أولاً من الجانب الفلسطيني، إذ إن صمود الشعب الفلسطيني ورفضه للتهجير سيعزز الموقفين الأردني والمصري، لكن هذا وحده لا يكفي، بل لا بد من موقف عربي رسمي موحد”.
لكن خريشة يعرب عن عدم ثقته بجدوى المواقف العربية المعلنة، إذ يقول: “نحن، كفلسطينيين، نخشى للأسف من الموقف الرسمي العربي، فقد كانت تجربتنا معه خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية مُرَّة”.
ويضيف قائلاً: “هل يمكننا أن نثق بهم من جديد اليوم؟ مقترح ترامب يبدو وكأنه وعد بلفور جديد أو سايكس بيكو جديد. فهل المجموعة العربية جاهزة أو قادرة على مواجهة ذلك؟”.
المصدر: صحيفة الراكوبة