القمة الاستثنائية القادمة.. قمة مصير..
![](https://alarabstyle.com/wp-content/uploads/2021/01/كراكيب-نت.jpg)
المبالغة متعمَّدة في هذا العنوان. الغموض أيضاً متعمَّد. المبالغة متعمَّدة، فما نمر به من أحداث يرقى أكثرها إلى مستوى الكوارث، بينما تتعمد الدول صاحبة الشأن النزول بها إلى مستويات أدنى كثيراً من مستوى الكوارث. نشأ الجيل الذي أنتمي إليه على الثقة في صدق حدسه والشك في تقديرات السلطة، ابتداء من السلطة الأبوية وانتهاء بسلطة السياسة. أما الغموض المتعمد فوراءه حالة سيولة جرفت في طريقها ثوابت ليست قليلة، وكشفت عن نوايا أجاد أصحابها إخفاءها لسنوات وربما لعقود، وبين ما جرفته السيول من ثوابت وما كشفت عنه من تفاصيل تاريخ لم تمتد إليه بعد يد التدوين، تفاصيل أقل ما توصف به أنها صارخة كما تحكي السطور التالية:
أولاً: منطقتنا تعيش أجواء تهديد حقيقية ورهيبة. كنا قبل عقود عندما نسمع عبارة الشرق الأوسط على لسان مسئول غربي أو آخر نسارع فنحتمي بشعارات العروبة وتاريخ العرب وأصالتهم ورسالتهم. كنا واثقين من حتمية «الحل العربي»، حتى حل يوم غير بعيد، أفقنا مصدومين على صوت المؤذنين بقرب حلول «شرق أوسط جديد». سمعنا ولأول مرة في تاريخنا من ينكر علينا حقنا في الوجود هنا وهناك. عدنا كعادتنا إلى شعاراتنا فلم نجدها إلا قليلاً، وما وجدناه وحاولنا النطق به حسب عادتنا خرج من حلوقنا وعلى غير العادة مبحوحاً. لم نصدق ما رأينا. الغريب الشرير القادم من بعيد محتمياً بقطب دولي مغامر ومنهك احتل أراضينا ودمر بيوتنا ويهدد وجودنا باسم الشرق الأوسط الجديد.
ثانياً: ثم جاء يومٌ تجاوز فيه الظالمون كل مدى، انتقلوا من حملة تهديد الوجود إلى حملات ازدراء متعمدة وإهانات لم ترعَ حُرمةً ولا أصلاً ولا ديناً ولا تاريخاً ولا شرعية. لم يخطر على بالنا، نحن أبناء جيل الاستقلال والتحرر، أن ينضم رئيس أقوى دولة في النظام الدولي الراهن، ينضم بشخصه وبلسانه وبكل هيلمانه، إلى حملات الازدراء والإهانة كاشفاً عن خطة جهنمية جرى التخطيط لها منذ شهور مع نتنياهو وقادة جيوشه الإعلامية والسياسية والمالية في المجتمع الأميركي، هدفها تشتيت الفلسطينيين ومعهم إضعاف هيبة النظام الإقليمي العربي بإثبات عجزه عن حماية شعاراته ورموزه وبخاصة قضيته الأولى. كاد يتأكد ضعف الهيبة من تعدد الاجتماعات العربية ناقصة الإجماع العربي عندما صار النظام الإقليمي، الذي هو رمز الوجود العربي، مهدداً في مصيره وفي تنظيمه وفي فعاليته كطرف أساسي في النظام الدولي الراهن.
ثالثاً: أمام ضراوة هجمة الصهيونية، المتحالفة عضوياً مع أبشع نوع من أنواع الاستعمار العنصري الذي يمثله وللآسف الشديد المجموعة الجديدة المهيمنة على البيت الأبيض، أصيب النظام الدولي بالشلل. لا يخفى على متابع لتطور السياسة على مستوى القمة الدولية أن كلا من الصين وروسيا تعمّدتا أن تسلكا مسالك حذرة في انتظار وصول السيد ترامب إلى مكتبه بالبيت الأبيض. لا يخفى قدر الحيطة والحذر الذي تبناه الاتحاد الأوروبي وبعض قادة المجموعتين العربية والإسلامية وقادة أميركا الجنوبية وأفريقيا خلال فترة انتظار استلام ترامب لمهامه. الأمر اللافت أيضاً هو حجم الغضب الذي تعكسه سلوكيات قادة عديدين في هذه التجمعات، نتيجة للتهديدات المذهلة التي وجهها الرئيس الأميركي وجماعته خلال أقل من شهرين لأغلب دول العالم وقادتها، مُلوّحاً بعصا الصهيونية العالمية ونفوذ مجموعات الأوليغاركية الجديدة في أميركا وخارجها.
• • •
أخلص مما سبق إلى أن العالم يعيش هذه الأيام في ظل نمط غير مألوف من التفاعلات على مستوى القمة الدولية. هذا النمط يكاد يقترب من حال الفوضى في كل مرة غلب على تصرفات طرف أو بعض أطراف القمة عنصر الانقلاب في المفاهيم والسلوكيات، أو عنصر المفاجأة في برامج تسلح بشكل يهدد توازن القوى القائم. الجديد أو الطارئ في الوضع الراهن هو الدرجة القصوى من حال عدم القدرة على التنبؤ التي اتصف بها نظام حكم الرئيس الأميركي الجديد. الجديد والطارئ أيضاً هو لهجة وأساليب الإهانة أو الازدراء في تعامل هذا النظام مع دول وقادة ومسؤولين عن صنع السياسة الخارجية في دول عديدة. جديد وطارئ للغاية الإهمال المتعمد من جانب القطب الأميركي لكل رموز ومؤسسات النظام الدولي الراهن، مثل منظمته الأُم، وأقصد الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة وأجهزة العدالة الدولية، وفي الوقت نفسه لكافة رموز ومؤسسات التنظيم الإقليمي، مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومنظمة الدول الأميركية. بكلمات أخرى، نعيش في نظام دولي يفتقر إلى قيادة تحظى بشرعية الموافقة أو التوافق أو الهيمنة برائحة العدل أو الكفاءة.
• • •
أتساءل، وقد نما إلى علمي الكثير عن غضب غير مألوف من جانب مسؤولين وقادة عرب نتيجة كل ما صدر مؤخراً عن القطب الأميركي، وبخاصة عن رئيسه وكبار مبعوثيه إلى أوكرانيا والشرق الأوسط، وفي هذا الأخير مبعوثته سيئة الذكر إلى الحكومة اللبنانية وشعب لبنان، ومعها المقاول والممول الصهيوني الكبير وسيطاً في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، ومن قبلهما الضابط السابق في الجيش الإسرائيلي المكلف رسم خريطة مصادر الغاز في شرق البحر المتوسط، والمبعوث لمتابعة المفاوضات بين إسرائيل وحزب الله في مرحلة لاحقة، أتساءل إن كان في مكنة المسؤولين والمفاوضين العرب، وكممثلين لدول جامعة الدول العربية، نقل المواجهة بين أميركا من جهة، باعتبارها القطب الرئيس في النظام الدولي الراهن، ومن جهة أخرى، القمة العربية المزمع انعقادها الخميس بعد القادم، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للنظام الإقليمي العربي، إلى مستوى مواجهة أعظم وأبقى أثراً، إذا وضعت هذه القمة العربية في حسبانها عند المناقشة وعند صياغة قراراتها أنها في هذه اللحظة الحاسمة في صنع مصير العالم اختارت أن تمثل إلى جانب النظام الإقليمي العربي أغلب رموز ومؤسسات النظام الدولي والنظم الإقليمية، وكلها كما نعلم غاضبة غضباً شديداً على أميركا الخاضعة حالياً لقيادة الرئيس ترامب والمقاولين من عائلته وزملائه في المهنة، والمفتقرة إلى قيادات سياسية رشيدة وواعية.