أنماط طرائق التفكير السوداني (٩)

عوض الكريم فضل المولى
وحسن عبد الرضي
طرائق التفكير في استخدام الدين والشعارات الدينية في حرب السودان
تُعدّ حرب السودان المستمرة منذ أبريل ٢٠٢٣م بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع واحدة من أكثر النزاعات تعقيدًا في القارة الأفريقية. وكغيرها من الصراعات ، لم يكن الدين بعيدًا عن ساحات الحرب ، إذ استُخدم بشكل متباين كأداة للتعبئة ، والتبرير ، وكسب الدعم الشعبي والإقليمي.
لجأت أطراف النزاع إلى استخدام الخطاب الديني في تجنيد المقاتلين وحشد الدعم الشعبي ، إذ تُصوَّر الحرب أحيانًا على أنها “جهاد” ضد الأعداء أو “دفاع عن الوطن والدين” من كلا الطرفين. واستُخدمت العبارات الدينية في الخطابات السياسية والعسكرية لجعل القتال يبدو كجزء من صراع مقدس وليس مجرد نزاع سياسي أو عسكري.
سعى كل طرف إلى إضفاء الشرعية على أفعاله من خلال استدعاء المبررات الدينية والاستدلال على ذلك من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وأقوال الفقهاء. فمثلاً ، تُستخدم نصوص دينية لتبرير العمليات العسكرية ضد الطرف الآخر ، أو تصوير العدو على أنه يمثل تهديدًا للقيم الدينية والمجتمعية ، مما يعزز الانقسام الاجتماعي والديني.
حاول كل طرف في الحرب استمالة رجال الدين والمؤسسات الدينية لدعم مواقفه ، فهناك خطباء وأئمة ومشايخ طرق صوفية وجماعات سلفية يلقون خطبًا تعزز موقف هذا الطرف أو ذاك ، مما يخلق انقسامات حتى داخل النخب الدينية نفسها. وعلى الرغم من أن السودان مجتمع ذو أغلبية مسلمة سنية ، إلا أن الحرب أظهرت تمايزات داخلية في الخطاب الديني العاطفي ، حيث ظهرت اتهامات بالتطرف أو التبعية لأجندات خارجية ، مما زاد من تعقيد المشهد.
استُخدمت الشعارات العاطفية والرموز الدينية في المواد الإعلامية لكل طرف، سواء في البيانات الرسمية والفتاوى المنقولة عبر الأجهزة الإعلامية ووسائط التواصل الاجتماعي ، أو في مقاطع الفيديو التي تروج لانتصارات عسكرية ، وحتى في أسماء العمليات العسكرية. هذا يعكس توظيف الدين كأداة نفسية وحربية ، تُستغل لتأجيج مشاعر العداء والتفوق الديني.
وتكمن خطورة أثر استخدام الدين في الصراع في أنه يؤدي إلى تسييس الدين وتفاقم العنف ، وتشظي المجموعات الدينية المتحالفة مع الأطراف المتصارعة. وقد ظهر ذلك جليًا في الخطابات السياسية والدينية الصادرة من بعض المجموعات في بورتسودان وغيرها. هذا الاستخدام يجعل النزاع يبدو أكثر تجذرًا ويصعّب الوصول إلى حلول سلمية ، كما أن استغلال الدين بهذه الطريقة قد يخلق حالة من التطرف ويؤدي إلى تصاعد نفوذ المجموعات الأكثر تشددًا في المنطقة.
إذاً ، لا بد من الابتعاد عن استغلال الدين كأداة حرب، حتى لا يؤدي ذلك إلى انقسامات طويلة الأمد في المجتمع السوداني ، وحتى بعد انتهاء الحرب. فالسودان بلد متنوع دينيًا وثقافيًا ، ومن الضروري الحفاظ على هذا التنوع كعامل وحدة وليس كأداة فرقة.
ولإحداث تغيير حقيقي في أنماط التفكير السوداني المرتبطة باستخدام الدين في الصراعات ، يجب العودة إلى منبع الدين الصافي والاقتداء بقدوة التقليد الأعظم ، النبي محمد بن عبدالله ، صلى الله عليه وسلم. فقد كان رسول الله مثالًا للرحمة والعدل ، حيث جسد قيم الإسلام الحقيقية في السلم والحرب دون استغلال الدين لتحقيق مكاسب دنيوية.
وكما قال الأستاذ محمود محمد طه: “بتقليد محمد تتوحد الأمة ويتجدد دينها”. إن هذا التقليد لا يعني الجمود عند مظاهر التدين السطحية ، بل يستلزم فهم روح الدين وجوهره في التسامح ، والعدالة ، واحترام كرامة الإنسان.
من هنا ، نقترح ان نبدأ نقاشا جادا في كل ما يمكن ان يساهم في تعزيز الوعي الديني النقدي ، من خلال مراجعة الخطابات الدينية السائدة ونقدها بشكل علمي دون المساس بمقدسات الدين ، وذلك لتفكيك الروايات التي تُستخدم لتبرير العنف. كما يجب ان يتطرق النقاش الى ما يدعم مؤسساتنا الدينية حتى تصبح مستقلة ، قادرة على تقديم خطاب ديني وسطي بعيد عن الاستقطاب السياسي. ولا بد من نتفاكر حول ما يجب فعله لتطوير مناهج تعليمية دينية معتدلة تركز على قيم التسامح والتعايش السلمي بين مكونات المجتمع المختلفة. هذا ويصبح من الضرورة بمكان أن يتم فتح حوار مجتمعي واسع حول مكانة الدين في الحياة العامة ودوره في بناء السلام ، بما يشمل رجال الدين ، والمثقفين ، والشباب.
إن معالجة أزمة السودان لا تقتصر على الجوانب السياسية والعسكرية فقط ، بل تتطلب أيضًا إصلاحًا عميقًا في أنماط التفكير المتعلقة بالدين ودوره في المجتمع. فقط من خلال هذا الفهم العميق يمكن للسودان أن يخطو نحو مستقبل أكثر سلمًا ووحدة.
للتواصل:
أرقام الهواتف:
+2012 20878516
+2012 28634442
البريد الإلكتروني:
[email protected]
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة