اخر الاخبار

في حضرة غيابك يا سلمى

لا يزال مكان الصحفية الراحلة سلمى حراز  في مقر الجريدة شاغرا ولا يزال طيفها يحوم في قسم المجتمع، حيث قضت سنوات ترصد معاناة الناس وتقذف بها إلى المسؤولين والإدارات وتعثر على قصص وتجارب الناس وتحولها إلى تحف من حروف.

زاهدة ومهنية ومترفعة عن المطامع والمغانم، كانت سلمى حراز في عملها مبدعة وثاقبة في مقالاتها وبارعة في الروبورتاج وفي مواضيع الرأي العام ومدرسة في الأسلوب وفي معالجة الظواهر والأحداث.

اليوم 13 فيفري 2025 يمر العام الرابع لرحيل سلمى حنك أو سلمى حراز كما توقع، يظل الجرح مفتوحا وغائرا وتظل صاحبة المقالات الممتعة، عصية على النسيان الذي يفرضه الموت والغياب.

توقف قلم الراحلة عن النبض، كما توقف قلبها، ذات ليلة في مستشفى “باينام” غربي العاصمة، أين توفت على سرير ولادة عسيرة وبعد حمل أعسر، وضعت فيه ابنتها “نور” الوحيدة.

لكن ستبقى ذكراها محفورة في الذاكرة، كصحفية بارعة في ترويض المفردات ورصف التراكيب وصوغ المعنى بمهارة وتوصيف معاناة ومطالب الناس بدقة وتحويلها إلى مقذوفات ملتهبة تقصف المسؤولين.

برزت سلمى بأسلوبها السلس والسهل الممتنع في معالجة مواضيع المجتمع وأحوال الناس، تنتقل به بين الوضعيات المتناقضة والمتضادة بسلاسة، فتارة توصل القارئ إلى البكاء والحزن وتارة أخرى ترسم على محياه البسمة والفرحة.

كانت سلمى تحتضن المتربصين القادمين من كلية الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر 3، أين درست، بعناية ونصح، كما وجدناها السند في بداياتنا المهنية.. توجهنا وترشدنا وتتقاسم معنا خبراتها وتجربتها.

مارست سلمى الصحافة في أرقى صورها، قريبة من السرد الروائي والأدبي منه إلى المقالات الجافة والمملة وبعيدة عن الأضواء وإغراءات المهنة ومطامعها. وشكلت نموذجا قائما بذاتها في الانتساب لمهنة المتاعب، قل نظيره اليوم أو انعدم.

وتحولت سلمى قبل وفاتها إلى ملجأ رئيس القسم أو رئيس التحرير، لما يتعلق الأمر بالحاجة لمن يحرر الروبورتاج أو يتناول القصص الصحفية الاجتماعية بإحكام وإبداع، فهي صاحبة القلم الذي يصعب أو يستحيل مجاراته أو تقليده، له بصمته وهويته الخاصة التي تجعل القارئ يدرك أن سلمى كاتبته قبل بلوغ نهايته والاطلاع على التوقيع.

تشابه أسلوب سلمى في الكتابة بأسلوبها في الحياة، فكانت تعشق فصل الخريف وفيه تأخذ إجازاتها وتبرمج رحلاتها إلى الشواطئ وإلى مسقط رأسها العوانة بولاية جيجل، وتجدها بدأت تخلو من روادها.

امتلأت سلمى بالحياة وبالأحلام وبالأماني، عندما تزوجت وحبلت بطفلتها “نور”، بعد طول انتظار وخططت لمرحلة جديدة كانت تنتظرها، لكن مشيئة الله أوقفت الحلم قبل أن يكتمل.

تركت سلمى القلم وحيدا وتركت ابنتها “نور” في أوج الحياة والدفء العائلي، وتحولت إلى قصة حزينة متداولة بين الزملاء ومحيط الراحلة، وابتلاء عظيم من الله لا يخففه سوى الصبر والرضاء بالقدر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *