اخبار السودان

الأزمة الوطنية السودانية.. العودة إلى منصة التأسيس

مجديعبدالقيومكنب

 

(١)

*الكتلة التاريخية التأسيسية*

مجدي عبد القيوم(كنب)

*مقدمة*

في تقدير جل الخبراء والمختصين ان الأزمة الوطنية وتمظهراتها المختلفة ترتبط وثيقا بالخلل البنيوي الذي لازم تاسيس الدولة السودانية وان مرد ذلك طبيعة الاستعمار من حيث الأهداف والمطلوبات وبالتالي فإن نشأة الدولة في السياق التاريخي هو الذي ادي الي قيام دولة مركزية راسية البناء بما يخدم المصالح الاستعمارية من جهة تراكم رأس المال فيما يتعلق بالمشاريع الانتاجية والطرق وسلاسل الإمداد والتي شكلت قاعدة أزمة التنموية المتوازنة وما نجم عنها
كذلك يري كثير من الذين نقبوا وبحثوا في الموضوع ان ذلك التأسيس قفز فوق الإرث الحضاري السوداني في مختلف الحقب الكوشي والمروي والمسيحي والسناري وكذلك ارث الصوفية التي ترتبط بالارث الافريقي في بعديه الروحي والشكلاني وكرس لشكل من الدين المؤسسي وبالتالي قطع الطريق علي التطور الطبيعي للدولة فولدت دولة مختلة أو “مستزرعة” علي حد وصف أحد الباحثين.
نتناول المسالة بالتركيز علي القضايا التي ينبغي أن تحظي بالأولوية لأنها تمثل جذر الأزمة الوطنية التي تطاولت والتي يمكن ايجازها في:
*قضية الهوية
*علاقة الدين بالدولة *كيفية حكم البلاد
*النظام السياسي
*الدستور الدائم
*السلام
ومن ثم نتناول كتلة التأسيس التي ينبغي أن تضطلع بهذه المهمة التاريخية والآلية التي يجب ان يتم بها ذلك
ما من شك أن هكذا قضية تجابه بتحديات وتعقيدات داخلية وكذلك في سياق تاريخي يمثل انعطافة كبري علي مستوي العالم سقطت فيه الكثير من المسلمات فلم يعد فيه هناك يقين مطلق علي مستوي الفكر السياسي والاقتصادي والقوانين المنظمة للعلاقات الدولية والمفاهيم والكثير من تحديات بناء الدولة الوطنية.
غني عن القول أن هذه الاضاءة لا تهدف إلي ما هو أكثر من القاء حجر لتحريك الساكن وتحفيز المهتمين باعتبار أنها لا تندرج ضمن كتابات المختصين والخبراء في قضايا شائكة ومعقدة وان اعتمدت علي انتاجهم كمرجعية.
هذه المساهمة لا تأخذ بعدا أكثر من الدعوة لاعمال الفكر والعصف الذهني ووضع الأزمة علي طاولة التشريح لإدارة حوار ثر ومنتج سيما بين شريحة الشباب بغية الوصول لرؤية جمعية حول هذه القضايا تمكننا من حل هذه المعضلة التاريخية

*( ان الكتلة التاريخية تجمع فئات عريضة من المجتمع حول أهداف واضحة تتعلق اولا بالتحرر من هيمنة الاستعمار و الإمبريالية السياسية والاقتصادية والفكرية وثانيا بإقامة علاقات اجتماعية متوازنة يحكمها التوزيع العادل السلطة )*

*الدكتور/محمد عابد الجابري*

*الكتلة التاريخية ..بأي معني؟*

*مجلة المستقبل العربي*

*١٩٨٢*

علي غير ما هو معتاد من حيث تناول القضايا ومن ثم الانتقال للأليات فإننا نبتدر الكتابة حول الموضوع بالحديث عن الكتلة التاريخية التأسيسية وفي التقدير أنها الجزئية في معالجة الأزمة.
نعرج علي مفهوم الكتلة التاريخية في الفكر السياسي والذي يعود للمفكر الإيطالي الماركسي انطونيو غرامشى والذي وظفه لتخطي حالة الانسداد العام الذي شهدته ايطاليا ما بين الحربين العالميتين والذي يدعو إلي (بناء تحالف اجتماعي واسع يضم قوي مختلفة تتلاقي مصالحها في التغيير السياسي والاجتماعي)
يذهب البعض أن توظيف هذا المفهوم وفي سياقات اجتماعية واقتصادية وثقافية مغايرة يصطدم بصعوبات نظرية ومنهجية
وفي التقدير أنه من الممكن تجاوز تلك الصعوبات لأن الأزمة الوطنية المتجذرة التي تعاني منها البلاد والتي نمظهرت وتجلت في أشكال كثيرة لم تترك خيارا لاي شريحة اجتماعية إلا المشاركة في البحث عن حلول وان دفعها ذلك مرغمة علي تقديم الكثير من التنازلات سيما أن بلادنا لم تزل بعد في بداية عتبات التطور الذي وصلت إليها اوربا حتي في السياق الذي برز فيه مفهوم الكتلة التاريخية
أن واقعنا في السودان يقول أننا لم نزل بعد في الطريق نحو استكمال بناء الدولة الوطنية واستكمال التحرر والاستقلال وهي المهام التي أشار إليها المفكر محمد عابد الجابري في دراسته التي أشرنا إليها في المقتطف الذي تصدر هذا المقال والتي شرح فيها مفهومه للمصطلح في سياق الصراع الفكري المحتدم بين التيارات القومية واليسارية والعلمانية من جهة والتيار الاسلامي من جهة اخري
في التقدير أن الانهيار الذي ضرب كل المشاريع الفكرية بلا استثناء وبالتالي ما تمخض عنها من تجارب سياسية أدت إلي مراجعات علي المستوي النظري لدي كل تلك المدارس الفكرية يمهد الطريق إلي تلاقي فكري يقف علي ارضية صلبة ولا يكتفي بالاتفاق علي والتراضي علي صيغة تحالف في شكله التنظيمي وبالتالي يجعل من قضية تشكيل الكتلة التاريخية التاسيسية مسألة ليست عصية بالنظر إلي المسألة النظرية من جانب وتحديات الراهن التاريخي.
صحيح أن النخبة السياسية في السودان ولاسباب موضوعية تفتقر إلي ثقافة قبول الآخر وتتسم بالجنوح نحو الاقصاء بسبب الوثوقية الفكرية واليقين من جانب والسلوك السياسي المكتسب من تجربة في سياق تاريخي مختلف من جانب اخر مما يجعل استعدادها للعمل علي بناء كتلة تاريخية تاسيسية ضعيفا إلي حد ما ومع ذلك لا يعني ذلك حكما قطعيا ينفي وجود مجموعات من هذه النخبة تملك الاستعداد للانخراط في مشروع تاسيس الكتلة التاريخية
ولا شك اننا نعول علي القطاع الاعرض من المجتمع وهي شريحة الشباب لأسباب ذاتية متصلة بالبناء الفكري في افق مفتوح علي معارف علي مختلف المشارب الفكرية والديناميكية من ناحية العمر وامتلاكها للمعرفة و المهارات المتصلة بالتقنية
هذه الشريحة التي تمثل نصف الحاضر وكل المستقبل دفعت كلفة الفشل الذي ادمنته النخبة وتحملت تبعات “نقض العهود والمواثيف” حتي صارت ترنو للمستقبل وهي لا تلمح ضوء في نهاية النفق لذا في التقدير هي الأقدر والاكثر تاهيلا واستعدادا لبناء المستقبل
هذا الشباب قادر علي خلق تواصل فيما بينه ولديه استعداد فطري لقبول الاخر لا تؤطره ايدولوجيا ولا تحد من انطلاقه قوالب تنظيمية ويتسم بالواقعية
أن الأزمة الوطنية التي تعاني منها بلادنا لا سبيل لحلها إلا إذا امتلكنا الجرأة علي خوض معارك التغيير الحقيقية و فتح الجراح والحديث في المسكوت والدخول إلي التابوهات ودهاليز التاريخ.

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *