اخبار المغرب

الإضراب في المحكمة الدستورية

 

إن أحد المظاهر البارزة للتطور الدستوري والديمقراطي التي شهدته بلادنا خلال العهد الزاهر لجلالة الملك محمد السادس هو توطيد دولة المؤسسات، التي تشتغل في ظل الدستور والتي يرعى عملها جلالة الملك بإعتباره حكما آسمى بينها بموجب أحكام الوثيقة الدستورية، ولاسيما الباب الثالث منها، ولنا في حالة القانون التنظيمي الذي يحدد شروط وكيفيات ممارسة الإضراب، نموذج بارز لهذا البنيان الدستوري المتين، وهو دليل أيضا على حيوية الحياة الديمقراطية في بلادنا.

لقد نص الدستور المغربي على وجوب اصدار عدة قوانيين تنظيمية، صدرت جميعها باستثناء قانونان تنظيميان، ويتعلق الأمر بالإضافة إلى قانون الإضراب، بالقانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم الدستورية الذي يوجد في مسطرة ترتيب الأثر على قرار المحكمة الدستورية التي صرحت في قرارها الثاني حوله بأن الإجراءات المتبعة لاقراره غير مطابقة للدستور، ويتعين التأكيد ها هنا على أن فهم عميق للوثيقة الدستورية يستوجب وجوبا قراءة صبورة لقرارات المحكمة الدستورية، ولا سيما ذات الصلة بفحص دستورية القوانين التنظيمية  والأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان.

ولعل المسار التشريعي الذي عبره القانون التنظيمي للإضراب والنقاش السياسي والحقوقي الذي أثاره ولايزال، يدفع للتطلع إلى قرار المحكمة الدستورية، والتي أوكل إليها الدستور، إلى جانب إختصاصات عدة، وبموجب الفصل 132 منه، البث في مطابقة القوانين التنظيمية للدستور.

برزت قضايا دستورية وقانونية خلال مسار مناقشة هذا القانون التظيمي، لاشك أن قرار المحكمة المنتظر سوف يساهم في فهمها، وأخص بالذكر ما يتعلق بالديباجة، التي لئن كانت الصيغة النهائية من القانون لم تتضمنها إلا أن المادة الأولى منه هي عمليا ديباجة النص، بما تضمنته من إطار مرجعي وإحالات مهمة، هذا ناهيك عن الآجال المرتبطة بتعديلات الحكومة المقدمة على مشاريع القوانين أثناء دراستها باللجان البرلمانية الدائمة، و غيرها من المواضيع التي تضمنتها التقارير المنشورة للجان البرلمانية التي تولت دراست هذا القانون التنظيمي.

للقضاء الدستوري المغربي تاريخ طويل منذ مرحلة الغرفة الدستورية ومرورا بحقبة المجلس الدستوري وصولا إلى المحكمة الدستورية، وعلى الرغم من قلة اللجوء إليها، كما أكد على ذلك رئيسها قبل أيام في درس أكاديمي، إلا أن قراراتها والاجتهادات التي راكمتها تؤكد حرصها الدائم على علو الدستور وفرض التمسك بأحكامه.

الان، وبعد موافقة مجلس النواب في قراءة ثانية على هذا القانون التنظيمي ،على جميع الأطراف سواء المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر بمضامينه أن تنتظر كلمة القضاء الدستوري، وعلى خلاف ما حاول البعض تصويره فإن موافقة البرلمان على هذا القانون لا تشكل نهاية التاريخ، ذلك على أنه وعلى الرغم أننا إيزاء قانون تنظيمي أوجب الدستور مسطرة خاصة لوضعه وإقراره، إلا أنه ليس هناك ما يحول دون تعديله أو مراجعة بعض مضامينه إذا ظهرت الحاجة إلى ذلك، فأعضاء مجلسي البرلمان يملكون حق التقدم بمقترحات قوانين تنظيمية وليس هناك ما يحول دون ذلك.

ستتولى إذن المحكمة الدستورية، التي لا تقبل قراراتها أي طريق من طرق الطعن، وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية النظر في مطابقة هذا القانون  التنظيمي للدستور، ولا شك أن قرارها المنتظر سيكون محط نقاش وتحليل وقراءات من لدن الفقه الدستوري، الذي عودنا على التفاعل مع إجتهادات القضاء الدستوري، وهو ما سيشكل إغناء وإثراء للحوار الدستوري و القانوني في بلادنا.

بيد أن فحص مطابقة القوانين التنظيمية للدستور ليس عملية مغلقة وممتدة في الزمن، لأن القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية منح عدة أطراف بموجب المادة 25 منه، حق الإدلاء للمحكة الدستورية بما قد يبدوا لهم من ملاحظات كتابية في شأن القضية المعروضة عليها، ومن بين تلك الأطراف أعضاء مجلسي البرلمان، هذا علاوة على أن المحكمة مقيدة بأجل الثلاثين يوم من تاريخ إحالة القوانين التنظيمية عليها.

الحكومة والبرلمان مارسا إختصاصاتهم الدستورية، ونجحا معا في إخراج قانون تنظيمي ظل الجميع ينتظر صدوره منذ أن نص عليه دستور1962،وهذا لوحده يعد إنجازا تاريخيا، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قدما رأيين مهمين  حول القانون بطلب من البرلمان، والإعلام واكب مسار دراسة المشروع، والنقابات عبرت عن آراءها بكل حرية، ولعمري إن هذه هي مقومات الديمقراطية المواطنة التي يحق لنا ان نفاخر بها الأمم .

ولأن الدستور الذي حظي بإجماع الأمة بكل مكوناتها أوكل كلمة الفصل إلى المحكمة الدستورية، وفي إنتظار قرارها، هناك حاجة ماسة للاسراع بإخراج نصوص قانونية لا تقل أهمية عن قانون الإضراب وفي مقدمتها قانون النقابات، وفق ما نصت عليه أحكام الفقرة الأخيرة من الفصل الثامن من الدستور.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *