معلومات تفسر خطاب البرهان الأخير
![](https://alarabstyle.com/wp-content/uploads/2025/02/البرهان-وكرتي.webp.webp)
د. عبد الرحمن السيد أحمد
هناك معلومات ضرورية لفهم خطاب الفريق أول البرهان أمس، الذي هاجم فيه المؤتمر الوطني.
أول هذه المعلومات تتعلق بالقوى الإقليمية الداعمة للبرهان. فقد استلم البرهان خلال الأسبوعين الماضيين ثلاث رسائل من مصر والسعودية وإسرائيل بنفس المحتوى، وهو التحذير من النشاط المتعاظم لميليشيات الإسلامويين، بما في ذلك القاعدة وداعش.
وبحسب معلومات هذه الدول الثلاث، فإن داعش والقاعدة تستغلان فوضى الاستنفار وتوزيع السلاح العشوائي لتدريب وتسليح عناصرهما، ومن ثم الانقلاب على طرفي الحرب الرئيسيين (الجيش والدعم السريع) والاستقلال بمنطقة معينة على تخومهما وإقامة إمارتين بالغتي التطرف. فضلًا عن أن ميليشيات الكيزان مثل البراء والبرق الخاطف، وبعلاقتهما بإيران وتركيا، تمكنت من حيازة كمية من الأسلحة والمسيّرات النوعية، فإذا استمر تدفق هذه الأسلحة عليها، فسيكون من الصعب مستقبلًا السيطرة عليها.
وحذرت الدول الثلاث البرهان بأن الإدارة الأميركية الجديدة إدارة ترامب أقل احتمالا وأقل صبرًا تجاه الميليشيات الإسلاموية، فإما أن يتخذ البرهان إجراءات عملية ضد هذه الميليشيات، وإما عليه أن يتوقع عواقب جدية من إدارة ترامب.
أما المعلومات الداخلية فلها خصوصيتها، لكنها مرتبطة أيضًا بالتطورات الخارجية.
وأهم هذه المعلومات ذات شقين، الشق الأول: استخدام الجيش للأسلحة الكيميائية ضد الدعم السريع في منطقتين. وقد تمكنت أجهزة استخباراتية غربية من التوثيق الكامل لواقعتي الاستخدام، بما في ذلك أخذ صور وشهادات ضباط وجنود من القوات المسلحة نفسها أصيبوا في الواقعتين كأضرار جانبية (Collateral Damage).
الشق الثاني: أن هناك عمليات تصفية واسعة جدًا للمدنيين في المناطق التي سيطر عليها الجيش مؤخرًا، خصوصًا في أم روابة والعاصمة. وهي عمليات قتل أوسع كثيرًا مما يتخيل أي سوداني بريء. تقدر عمليات القتل هذه بحوالي ألفي عملية قتل في العاصمة وأم روابة. ونفذت هذه التصفيات ميليشيات البراء والبرق الخاطف وقوات العمل الخاص (جهاز أمن مفضل)، إضافةً إلى وحدات الاستخبارات العسكرية.
ويعرف البرهان يقينًا، كما يعرف داعموه الإقليميون، أن هذه الجرائم الواسعة لا يمكن إخفاؤها لفترة طويلة، بل إنه منذ الآن بدأ يتسرب مداها الواسع جدًا، وتتجمع الأدلة عليها. وهي جرائم، مهما كان التعاطف مع البرهان، وبسبب فداحتها ووحشيتها البالغتين، لا يمكن التغاضي عنها.
ولفت داعمو البرهان إلى حقيقة أن الغرب لم يصعد بعد أي حملة إعلامية/دبلوماسية، لا على استخدام السلاح الكيميائي، ولا على حملات القتل خارج القانون، رغم أنها اتخذت شكلًا داعشيًا واضحًا: من جز الرقاب وبقر البطون وأكل الأكباد. ويعزو داعمو البرهان الإقليميون هذا التجاهل المؤقت إلى تقدير الغرب بأن الأولوية الأولى حاليًا هي دفع الدعم السريع لإخلاء العاصمة والجزيرة، ومن بعد ذلك وضع المطالب الأساسية أمام البرهان، فإما أن يستجيب بسرعة ووضوح، وإما أن تتصاعد ضده الحملة تمهيدًا للعواقب الوخيمة.
ولذا، نصح الداعمون الإقليميون البرهان بتحميل ميليشيات الكيزان مسؤولية الانتهاكات الوحشية بدلًا عن الجيش وقيادته.
وتؤكد المعلومات أنه بعد تصريحات البرهان العدائية ضد الكيزان (إسلامويي المؤتمر الوطني)، تشاورت قيادة المؤتمر الوطني/الحركة الإسلامية فيما بينها ومع عدد من الكوادر، وتوصلت إلى أنها حاليًا لا تستطيع الدخول في مواجهة مع البرهان، الذي يحظى بدعم غالبية الضباط غير الحزبيين، إضافة إلى الدعم الإقليمي الضروري للمجهود الحربي، وكذلك لاستقطاب أموال إعادة الإعمار. ورغم أن قطر وتركيا والصين وروسيا يمكن أن تدعمهم كإسلاميين، إلا أنها جميعًا لا ترغب في مواجهة مع إدارة ترامب لأجل عيون إسلاميي السودان.
وهذا إضافة إلى أن ميليشيات الإسلاميين لا تزال تعتمد على أموال الدولة وأسلحتها وذخائرها، فضلًا عن أن الأولوية هي القضاء على الدعم السريع أو إخضاعه إخضاعًا كليًا. ولذا، فالأفضل حاليًا إحناء الرأس للعاصفة والتحضير المتصاعد لاستقلالية (المقاومة الشعبية) ميليشياتهم تنظيمًا ومالًا وتسليحًا وتموينًا، ومن ثم التحضير لإزاحة البرهان في الوقت الملائم للتنظيم.
وقد أشار المؤتمر الوطني إلى ذلك في بيانه الرسمي أمس 8 فبراير، حيث ورد في البيان: (.. وما أن تضع الحرب أوزارها، نبشر السيد القائد العام والقوى السودانية السياسية الوطنية وغير الوطنية والجيش السوداني وكل أبناء وبنات السودان والمجتمع الدولي بأنه لن يصادر إرادتنا أحد، فنحن حزب ضاربة جذوره في المجتمع السوداني…).
بما يعني أنهم يريدون تأجيل المواجهة مع البرهان إلى ما بعد أن تضع الحرب أوزارها، أي بعد هزيمة الدعم السريع.
ولكن السؤال الذي يواجههم: كيف، إذا كانت الحرب لن تضع أوزارها إلا بإزاحة من يتحملون وزرها؟!
المصدر: صحيفة الراكوبة