اخبار السودان

آن لهذا السُودان أن “يستعدَّل” (١) السودانية , اخبار السودان

نضال عبد الوهاب

نضال عبدالوهاب

٧ فبراير ٢٠٢٥

نشأنا و أجيال قبلنا وبعدنا في بلدنا السُودان وحال البلد ليس الذي يستحقه الشعب السُوداني في مختلف أجزائه ، الشئ الذي لا تستطيع معه كبير عناء للتوصل إليه من حقائق وبمجرد إلقاء نظرة حتي في محيطك الصغير الحي السكني ، والمدارس والازقة والشوارع والأسواق وحركة الناس فيها ، أن هذا السُودان به تنوع وإختلاف واضح ، تراه في السحنات والالسنة والقبائل والأديان ، اذكر فقط في “شارع البيت” و “الحِلة” وانا طفل تجد ساكنين وجيران يُمثلون كُل هذا الذي ذكرته ، نفس الأمر في المدرسة الإبتدائية والصف الدراسي بها ، هذا يُكسبك معرفة باكرة بأننا نعيش في بلاد و وطن مُتعدد الثقافات والأعراق واللغات و القبائل والإثنيات ، بلد متنوع بشكل مُدهش ، نتقاسمه ونتعايش فيه ، ثم تكتشف لاحقاً وكُلما تدرجنا في أعمارنا ومراحل الوعي المُختلفة ، أنه برُغم هذا التنوع والتعايش والإختلاف ، إلا أننا نعيش أيضاً في وطن ملئ بالإختلالات والإخفاق الموروث وغياب العدالة الإجتماعية والمُساواة ، تستطيع بكل يُسر إكتشاف أن هنالك مواطنون وسُودانيون “درجة أولي” و آخرون “ثانية” وثالثة وهكذا ، وهذا الأمر لم يكن مُرتبطاً فقط بالأحوال الإقتصادية والطبقات الإجتماعية ، ولكنك تحسه في التعاملات المُجتمعية ، وفي مظاهر الأحياء نفسها ، برغم نشوءنا في مساكن “شعبية” ، إلا أنها أيضاً ملئية بالفوارق الإجتماعية ، ثم تكتشف أيضاً أن طبيعة النظام الحاكم قائمة علي تمجيد “الفرد” ، و الخوف من النظام المتمثل في “العسكر” ، حيث كانت طفولتنا الباكرة في عهد مايو ثم أواخره ، وبحكم النشأة والتربية الأُسرية عرفنا مُبكراً أيضاً مُصطلحات مثل “الإعتقال والسجن السياسِي” ، و تقييد الحركة ، والإختفاء ، ثم تعلمنا أن هنالك مقاومة للأنظمة المُستبدة والديكتاتورية العسكرية ، ومع إتساع الوعي عرفنا التمييز مابين تلك المرحلة وأول فترة حكم ديمُقراطي حضرناها في البدايات الاولي لسن الشباب والتحولات من الطفولة لها “الديمقراطية الثالثة” ، وإستطعنا التمييز مابين العهدين من حيث الحريات للسُودانيين والإنفتاح والزخم السياسِي ، وإنتشار دور الأحزاب والليالي والندوات السياسِية ومراكز الشباب والتحالف الديمقراطي وإتحادات الشباب والنساء ، والكورال والغناء والشعر والموسيقي ، و في ذات التوقيت كنا قد رأينا قبلها التحولات وما عُرف بقوانين سبتمبر ، و بالعدالة الناجزة ومحاكمها ، وشكل المُجتمع ماقبل وبعد دخول الدين في الحياة السياسِية و “الهوس” الذي بدأه الأخوان المُسلمين وحركتهم الإسلامية ، ثم واصلوا فيه ما بعد مايو ، وفشل فترة الديمُقراطية الثالثة ، ثم عرفنا باكراً الصراع والحرب مابين الجنوب والشمال ، وفي ذلك التوقيت لم يكن كما الآن هنالك الإنترنت والميديا التي تنقل كُل شئ وإلا قد كنا شهدنا فظائع وجرائم وإنتهاكات لاتخطر علي عقل بشر ، مما كان يتم في تلك الحرب ولأهلنا في الجنوب ، لكني أذكر وأنا طفل بعض القصص لجنود وعساكر يقُصون بعض أهوالها والدموية والعُنف الذي كان مُمارساً ، والذي هو إمتداد لعُنف المؤسسة العسكرية السُودانية “الموروث” وعقيدتها في البطش والقتل ضد كُل من هو خصم للنظام ، وهذا عرفناه من التاريخ المسرود والمقروء عن خطايا الأنظمة العسكرية في السُودان ، إستمر كُل هذا حتي وصلنا لمرحلة “إنقلاب يونيو ١٩٨٩” الذي دبرته وقامت به الجبهة الإسلامية القومية “الكيزان” و “الحركة الإسلامية” ، برُّغم أنها كانت صاحبة عدد كبير نسبياً في مقاعد البرلمان الديمُقراطي وثالث الكُتل الإنتخابية بعد حزبي الأمة القومي والإتحادي الديمُقراطي ، ولكنها آثرت الإستفراد بالحكم والتعجُل ، مُنتهجة سبيل من كان قبلها من أحزاب وقوي سياسية سُودانية ، في إستغلال القوات المُسلحة وعناصرها داخلها لتغيير السُلطة والإنقلاب ، الذي يكاد يكون لم يسلم منه أحد يساراً و وسطاً ويميناً في السُودان ، ولكلٍ تبريراته ومحاولات “بائسة” من أجل إيجاد الأعذار للإستيلاء والسعي للسُلطة عن طريق الإنقلابات العسكرية وتعطيّل الدستور ثم القبضة الحديدية ، وتغييب الحُريات وهزيمة الديمُقراطية و قطع طريق تطويرها بالمُمارسة ، شارك في ذلك أحزاب الأمة والشيّوعي والقوميين العرب ولاحقاً الأخوان المُسلمين “الكيزان” ثم البعث ، و إذا حسبنا تجربة ما عُرف بالجبهة الوطنية في ١٩٧٦ نجد أن الجميع شارك في العمل المُسلح للإنقضاض والإنقلاب علي السُلطة ودخول الإتحاديين في ذلك أيضاً ، هذا بالطبع قبل ظهور الحركات المُسلحة لاحقاً ، والمشاركة في المقاومة لتغيير السُلطة بنفس النهج ، هذا بخلاف تجربة الكفاح المُسلح الباكرة بتاريخ السُودان الحديث مُتمثلة في حركة الأنانيا “١، ٢”..
ونواصل…

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *