العدالة الاجتماعية في المغرب وبناء الدولة الاجتماعية
![](https://alarabstyle.com/wp-content/uploads/2025/02/67a73ea43f9d2.jpeg)
تُعتبر العدالة الاجتماعية من الدعائم الأساسية التي يقوم عليها استقرار المجتمعات وتقدمها، حيث تضمن تكافؤ الفرص، والمساواة في الحقوق، وتقليص الفوارق الطبقية، وتوزيع الثروات بشكل عادل بين جميع فئات المجتمع من أجل .
في المغرب، تحوّل مفهوم العدالة الاجتماعية من مجرد مطلب شعبي إلى التزام وطني استراتيجي، مدعوم بإرادة ملكية قوية وبرامج إصلاحية شاملة تهدف إلى بناء دولة اجتماعية حديثة تستجيب لتطلعات وطموحات المواطنين والمواطنات وتحديات العصر.
بدأ هذا التحول مع العهد الجديد الذي دشنه الملك محمد السادس نصره الله بإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005، والتي شكلت نقطة انطلاق لمقاربة تنموية شاملة تهدف إلى محاربة الفقر والهشاشة والاستبعاد الاجتماعي، وتعزيز الاندماج الاجتماعي. هذه المبادرة لم تقتصر على دعم الفئات الهشة، بل ركزت على تمكين الأفراد والعديد من مناطق المغرب من مشاريع مستدامة تعزز قدراتهم الاقتصادية والاجتماعية. ومع مرور الوقت، توسع هذا الورش ليشمل أوراشاً أكثر طموحاً، مثل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية الذي أُعلن عنه سنة 2021، وهو خطوة غير مسبوقة تهدف إلى ضمان التغطية الصحية والتقاعد والتعويضات العائلية لكل المغاربة، بما يعزز من التماسك الاجتماعي ويقلل من الفوارق الطبقية.
جاءت هذه الاستراتيجية الوطنية في ضوء التحولات العالمية التي وضعت العدالة الاجتماعية في قلب السياسات الدولية. فقد أقرت الأمم المتحدة يوم 20 فبراير كيوم عالمي للعدالة الاجتماعية، وهو ما يتقاطع مع ذكرى حركة 20 فبراير في المغرب، التي كانت محطة بارزة في مسار المطالب الشعبية بالإصلاح السياسي والاجتماعي. والتي جاءت بدستور 2011 كتتويج لهذه المرحلة، حيث كرس مبادئ العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان بشكل واضح، وأعاد تعريف دور الدولة كفاعل رئيسي في ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
لكن العدالة الاجتماعية في المغرب ليست معزولة عن السياق الإقليمي والدولي. فبينما تعاني دول شمال البحر الأبيض المتوسط من أزمات اقتصادية متفاقمة، وتعيش دول جنوبه وشرقه في دوامة من الحروب والنزاعات وأزمات اللاجئين، يبرز المغرب كنموذج للاستقرار والتنمية المستدامة. هذا الاستقرار ليس وليد الصدفة، بل نتيجة لسياسات حكيمة تهدف إلى تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والإدماج الاجتماعي، مع الحفاظ على القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
تتجلى هذه الرؤية بشكل أوضح في السياسات المرتبطة بالحماية الاجتماعية، التي تشكل اليوم حجر الزاوية في بناء الدولة الاجتماعية. فمشروع تعميم الحماية الاجتماعية، الذي يشمل التأمين الصحي الإجباري وتوسيع نظام التقاعد والتعويضات العائلية، ليس مجرد إصلاح تقني، بل هو تحول جذري في طريقة تعامل الدولة مع القضايا الاجتماعية. هذا المشروع يهدف إلى تقليص الفوارق الاجتماعية وضمان تكافؤ الفرص، مما ينسجم مع أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة، وخاصة الهدف الخامس المتعلق بالمساواة بين الجنسين.
في هذا السياق، تبذل المملكة جهوداً كبيرة لتعزيز دور النساء والفتيات في المجتمع، من خلال تحسين فرص الوصول إلى التعليم والصحة والعمل، وضمان مشاركتهن في الحياة السياسية والاقتصادية.
رغم هذه الإنجازات، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه المغرب في مسار تحقيق العدالة الاجتماعية. فالفوارق بين المناطق الحضرية والقروية، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وتحديات تحديث النظامين التعليمي والصحي، كلها قضايا تتطلب استراتيجيات متجددة وحلولاً مبتكرة. إلا أن الطموح المغربي واضح في هذا الشأن، حيث تسعى المملكة إلى أن تكون نموذجاً في المنطقة من خلال تعزيز التنمية المستدامة وربط النمو الاقتصادي بالإدماج الاجتماعي وحماية البيئة. فالعدالة الاجتماعية ليست فقط توزيعاً عادلاً للثروات، بل هي أيضاً ضمان للكرامة الإنسانية، وتعزيز للمواطنة الفاعلة، وبناء لمجتمع متضامن يضمن لجميع أفراده فرصاً متكافئة لتحقيق ذواتهم والمساهمة في تقدم وطنهم.
ختاما، إن الرؤية الملكية للعدالة الاجتماعية في المغرب تتجاوز الأبعاد المحلية لتشكل نموذجاً يحتذى به على المستوى الإقليمي والدولي. فمن خلال المبادرات الملكية وأوراش الحماية الاجتماعية، يتجه المغرب بخطى ثابتة نحو بناء دولة اجتماعية عادلة، تضع الإنسان في قلب اهتماماتها، وتضمن له العيش الكريم في ظل مجتمع ديمقراطي متماسك. هذه المسيرة تؤكد أن العدالة الاجتماعية ليست فقط هدفاً نسعى لتحقيقه، بل هي أيضاً وسيلة لضمان استدامة التنمية واستقرار المجتمع وازدهاره.
المصدر: العمق المغربي