ترامب الإسرائيلي.. – سما الإخبارية
منذ ولايته الرئاسية الأولى عام 2017، لم يدخر الرئيس الأميركي دونالد ترامب من جهد إلا وبذله من أجل حماية إسرائيل وتوسيع نفوذها وحضورها الإقليمي والدولي، والأهم تضخيمها جغرافياً إلى حجم يعكس مخططاتها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط.
ترامب الصديق المقرب جداً من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، دعمه كثيراً في مختلف الأوقات والمواقف الصعبة، وفي ولايته الرئاسية الحالية قدّم له طوق النجاة من احتمالات تفكك ائتلافه الحزبي بسبب موافقته على وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
قبل سفره ولقائه الرئيس ترامب، كان نتنياهو متردداً في مسألة قبول صفقة مع حركة «حماس» تنهي الحرب على غزة، وما أن قبل بالاتفاق حتى خرج وزراء متطرفون من أمثال بن غفير وسموتريتش يهددون بالاستقالة وفك التحالف مع حزب نتنياهو.
في الحقيقة لا يريد نتنياهو أي صفقة مع «حماس»، لأنه يرى فيها خضوع بلاده للحركة الحمساوية وعدم تحقيق الإنجازات التي وضعتها إسرائيل في الحرب على غزة، وبدا من التصريحات الترامبية المتلاحقة أن الأمر أشبه بـمناورة سياسية بين الطرفين الأميركي والإسرائيلي للانقلاب على اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته الولايات المتحدة الأميركية وكل من مصر وقطر.
لقد دعا ترامب قبل استلامه السلطة إلى وقف إطلاق النار في غزة، لكنه لم يكن مهتماً بتفاصيل الاتفاق طالما أنه يقف في جانب إسرائيل، المهم أن يتحقق هدف الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لدى «حماس»، ومن ثم تحدث التغييرات الكبرى.
في خطته المفاجئة بالنسبة للكثير من السياسيين، دعا الرئيس الأميركي إلى تهجير الفلسطينيين والسيطرة على قطاع غزة، وتحدث بعقلية رجل الأعمال عن تحويل هذه المنطقة إلى «ريفييرا» الشرق الأوسط واستقدام سكان جدد وأصحاب رؤوس الأموال للسكن فيها.
هذه التصريحات تعكس موقف ترامب من مبدأ حل الدولتين، حيث يؤمن أن على إسرائيل أن تتوسع جغرافياً وتغير من خارطة الشرق الأوسط حتى تتلاءم مع احتياجاتها السياسية والأمنية، بما يشمل ذلك نسف أي جهود تتعلق بقيام الدولة الفلسطينية ومنع الفلسطينيين من تقرير مصيرهم بأيديهم.
بعض الإسرائيليين الذين كانوا يشتمون نتنياهو إذا استكمل المرحلتين الثانية والثالثة لتثبيت وقف إطلاق النار، هؤلاء يتغزلون الآن بخطة ترامب حول غزة ويتهافتون لدعم رئيس وزرائهم من أجل ترجمة موقف ترامب في مسألة تسهيل مغادرة الفلسطينيين من غزة.
قبل عدة أيام من كتابة هذا المقال، تحدث الرئيس الأميركي للصحافيين عن عدم وجود ضمانات لصمود وقف إطلاق النار في غزة، وشبّه حجم إسرائيل من حيث المساحة برأس قلمه وقال إنها صغيرة للغاية، وبالتأكيد هذه التصريحات لا تُبشّر بالخير أبداً.
سيشهد التاريخ مرةً أخرى أن ترامب الذي وقّع على قرار يعترف فيه بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتل قبل حوالي ستة أعوام، سيطلق يد إسرائيل للتوسع يميناً وشمالاً في الضفة الغربية، وسيساعدها في التهام أجزاء من جنوبي لبنان وسورية وتجاوز سياسة أمن الحدود والمناطق العازلة.
قد لا تكون خطة ترامب بشأن غزة واقعية، ولا يعني أنها قابلة للتطبيق لأن الفلسطينيين وحدهم من يمكنهم إفشال هذا المخطط، بصرف النظر عن الانتقادات الدولية للخطة، لكن خطورة خطة الرئيس الأميركي أنها تشي بموقف عدائي تجاه فلسطين بكاملها.
لقد أعطى الرئيس الأميركي الضوء الأخضر لإسرائيل بالعبث في اتفاق وقف إطلاق النار، والاستفراد بالضفة الغربية وتسريع مخططات التهامها وتهويدها.
قبل أقل من عشرين عاماً بقليل طرحت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كوندوليزا رايس فكرة الشرق الأوسط الجديد، وارتفع الصوت عالياً بشأن مصطلح «الفوضى الخلاّقة» وبعده بعدة سنوات شهدنا تحولات استراتيجية في بيئة وتركيبة الأنظمة العربية.
نتنياهو تحدث في غضون العدوان على غزة قبل أشهر عن تحولات جذرية في الشرق الأوسط، واليوم يأتي ترامب بسيناريوهات جديدة تعكس هذه التحولات التي تحدث عنها نتنياهو بشأن قبول إسرائيل في الشرق الأوسط الجديد.
الفكرة أن ترامب يؤمن ويتبنى السردية الإسرائيلية، وهو مستعد بالفعل للعمل على زيادة قبول تل أبيب في العالم العربي بدون تقديم تنازلات لصالح القضية الفلسطينية. المحصلة أنه استنسخ وعد بلفور بنفس منطق وصيغة الهبات والعطايا، وهو وعد من لا يملك لمن لا يستحق.
[email protected]