التهجير القسري للفلسطينيين (2) أمد للإعلام
![](https://alarabstyle.com/wp-content/uploads/2024/10/1685343062-5109-9.jpg)
أمد/ منذ نشر مقالي الأول عن اقتراح دونالد ترمب استيعاب الأردن ومصر لمزيد من الفلسطينيين، والرئيس الأميركي يضيف الزيت على النار، ويبلور ويتوسع في اقتراحه الغريب. ذكر أنه يريد إخلاء قطاع غزة من كل الفلسطينيين وليس جزءاً منهم، وبصورة نهائية ولا عودة، قبل أن تقوم المتحدثة الرسمية بتوضيح أن المقصود هو التهجير الموقت.
الحقيقة أن ترمب كان صادقاً في ما قاله، لأن غرضه هو إخلاء القطاع من سكانه كلية، متجاهلاً وغير معني بأن الشعب الفلسطيني له الحق في الحياة على أرضه وفي وطنه، وأن العالم يسعى إلى حل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي بتمكين الشعبين من الحياة بسلام في دول مستقلة، وليس تصفية شعب لمصلحة الآخر، ولم يكن التهذيب الرسمي الأميركي سوى بغرض تجنب فجاجة تعارض الاقتراح مع القانون الدولي صراحة، حيث سبق واعتبرت محكمة نورمبرغ المشكلة أميركياً بعد الحرب العالمية الثانية التهجير القسري والإبادة الجماعية مخالفة صريحة للقانون الدولي وجريمة ضد الإنسانية.
وسع ترمب الاقتراح من استيعاب دولتين للفلسطينيين بما قد يوحي بأنها عملية محدودة موقتة، وأن تظل غير مشروعة، طوره بأن الترحيل قد يكون إلى نحو 10 دول من داخل الشرق الأوسط وخارجه، تأكيداً على رغبته في القضاء على العنصر الإنساني الفلسطيني الضاغط، وبما يتماشى مع التوجه الإسرائيلي بالحفاظ على إسرائيل الكبرى لليهود.
وفي تطور إضافي أوضح ترمب أن الولايات المتحدة ستتملك قطاع غزة بعد إفراغه من سكانه، وهو موقف غريب وخال من أي أساس سياسي أو قانوني، لأن هذا يفترض أن تتسلم الولايات المتحدة بصورة غير مشروعة الأرض من دولة الاحتلال الإسرائيلية، لتصبح أميركا هي دولة الاحتلال، حيث لا توجد سلطة أو حكومة أو تيار سياسي فلسطيني متمشٍ مع الاقتراح وموافق أو قادر على تسليم الأرض لغير الفلسطينيين.
وأوضح ترمب أن المشروع لن ينفذ بأموال أميركية وإنما بتمويل عربي، ولن تستخدم فيها القوات العسكرية الأميركية، رغم أنه من وحي الخيال أن يغادر سلمياً شعب فلسطيني كافح أكثر من 70 عاماً تحت الاحتلال حماية لأرضه، أو أن العرب على استعداد لتمويل تصفية القضية الفلسطينية ومواصلة الاحتلال تحت غطاء أميركي.
ورداً على سؤال حول ما يتردد عن تطور الموقف الأميركي من الاعتراف بضم إسرائيل للضفة الغربية لنهر الأردن، أشار ترمب إلى أنه سيتخذ قراراً في هذا الشأن خلال الأسابيع المقبلة، وهو مؤشر خطر آخر إلى أن موقفه من تهجير الشعب الفلسطيني من القطاع ليس منفصلاً عن تحرك وخطة أوسع حول النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وأن هناك خطوات إضافية تستدعي تهجير الفلسطينيين حفاظاً على الهوية اليهودية لأرض إسرائيل الكبرى، والمستهدف هنا صراحة الأردن منذ انتخابه ومواقف الرئيس الأميركي تجذب المجتمع الدولي حتى قبل توليه السلطة، إنما رد الفعل تجاه اقتراحه حول غزة تجاوز المخاوف حول مواقفه من بنما وغرينلاند وكندا والمكسيك وغيرها، وكانت ردود الفعل جميعاً من دون استثناء عدا إسرائيل ضد مقترح التهجير، بما في ذلك حلفاء أميركا في الغرب.
اقتراح ترمب حول غزة يقضي على القضية الفلسطينية كاملة ويتجاوز ساحة قطاع غزة، ويمس الأمن القومي للأردن ومصر مباشرة، إضافة إلى أمن ومصالح مختلف الدول العربية، إذ سيدخل الشرق الأوسط مجدداً في حلقة من الغضب والرفض وسيخلق حساسيات جيوسياسية في علاقاتها الدولية. والاقتراح من الخطورة التي تفرض على الكل التحرك بصورة أقوى وأشمل وأعمق وغير تقليدي عربياً وإقليمياً ودولياً.
مطلوب من الفلسطينيين لم الشمل والتحدث بصوت واحد بصرف النظر عن اختلافاتهم الأيديولوجية، لأن قضيتهم على مشارف اللاعودة والموقف من الأهمية والخطورة تتجاوز كثيراً الخلافات الأيديولوجية أو أي تنافس حول السلطة والمناصب، والمطلوب فوراً تشكيل حكومة فلسطينية مشتركة.
عربياً مطلوب من الأردن ومصر الاستعداد لاتخاذ إجراءات سياسية وأمنية واقتصادية محددة إذا ما تمت محاولة تنفيذ الاقتراح، إذ متوقع من ترمب ممارسة مزيد من الضغط عليهما في هذا الصدد. ومطلوب من دول “اتفاقات أبراهام” الاستعداد لاتخاذ مواقف معبرة عن تأييدها القضية الفلسطينية وضرورة التمسك بها.
يجب أن يكون هناك تحصين عربي واسع وعملي للفلسطينيين وللموقف المصري والأردني الرافض للتهجير، وذلك بإصدار بيانات وطنية عربية واضحة وقاطعة مثلما صدر عن دول الجوار العربي مصر والأردن والمملكة العربية السعودية، تؤكد رفض المقترح الأميركي شكلاً وموضوعاً، وأن السعي إلى السلام العربي الإسرائيلي، الذي تأكد مراراً خصوصاً في قمة بيروت لعام 2002 مرهون بحل القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، ويجب أن يكون الموقف واضحاً وقاطعاً أن العالم العربي رافض كل الرفض لتصفية القضية الفلسطينية والموقف الأميركي.
على العرب رفع مستوى وتسريع التحرك السياسي من خلال تحرك قممي عربي جماعي، وعقد قمة عربية فورية حضورياً أو إلكترونياً لإصدار بيان وموقف قاطع في هذا الموضوع. ويجب أن نشهد تحركاً عربياً جماعياً لعدد من رؤساء الدول الأعضاء اللجنة العربية السداسية المعنية بالقضية الفلسطينية، يشمل طلب مقابلة مع الرئيس الأميركي لتوضيح الموقف العربي، ومخاطبة وحضور اجتماع لمجلس الأمن وتقديم موقف، يتمسك بمضمون قمة بيروت حول القضية الفلسطينية وأن السلام الشامل مقابل حفاظ على القضية الفلسطينية، ويرفض فكرة التهجير.
إضافة إلى ذلك مطلوب تكليف وزراء خارجية المجموعة العربية السداسية بزيارات واتصالات سريعة لدى بقية الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن والتواصل مع المجموعات الإقليمية المختلفة، مؤكدين رفض المقترح الأميركي وبغرض الدفع بموقف قوي في مجلس الأمن وخصوصاً من الدول دائمة العضوية حتى إذا واجه بفيتو أميركي، وأسجل هنا أن على الدول دائمة العضوية اتخاذ مواقف أكثر جدية من واقع مسؤولياتها الأممية.
كما على المجموعة العربية ذاتها التحرك سريعاً دولياً والتقدم بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة يثبت الرفض السياسي الدولي لأي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني أو لتصفية القضية على حسابهم، والدعوة إلى التحرك سياسياً وقانونياً لتنفيذ هذه الاقتراحات وتثبيت عدم شرعيتها.
وعلينا بالتوازي مع هذا القيام بحملة دولية إنسانية لإدانة الممارسات الإسرائيلية والتنويه بخطورة الطرح الترمبي، وأيضاً بالإسراع في توفير المساعدات الإنسانية الضرورية والعاجلة تسهيلاً لحياة الفلسطينيين بقطاع غزة، وأعلم أن مصر بصدد تنظيم مؤتمر دولي لهذا الغرض.
وأتفق مع من يرون أن هذه الخطوات غير كافية، إنما آمل أن تسهم وغيرها في بتر المقترح الخطر الذي يهدف إلى القضاء على القضية الفلسطينية كلية، وهو ما صرح به وزراء بالحكومة الإسرائيلية، موقف يفرض علينا كعرب والمجتمع الدولي وقفة جادة، حفاظاً على حقوق الفلسطينيين واستقرار الشرق الأوسط، لأن البديل جد خطر علينا جميعاً، بل على المجتمع الدولي بأكمله، لأن تجاوز القانون الدولي وتغليب قانون القوة على قوة القانون سيمس الكل من دون استثناء.
عن اندبندنت عربية