الأوضاع هادئة في الخرطوم .. خذ طقم جلوسك وثلاجتك ثم عُد!
![](https://alarabstyle.com/wp-content/uploads/2025/01/211222-360x360-1-5.jpg)
علي أحمد
كاد أن يُغشى عليَّ وأنا أرى صحفيًّا من (العيار الثقيل) جسديًّا والخفيف عقليًّا، وهو يتماهى مع أحد المهرجين الكبار في وسائل التواصل الاجتماعي، ويطلب من وزير المالية إعفاءات جمركية على الأثاثات المنزلية للسودانيين العائدين، وخصوصًا من مصر، باعتبار أن الحرب قد توقفت واستتبت الأوضاع، ولم يتبقَّ سوى طقم الجلوس والثلاجة والبوتاجاز لتحقيق الاستقرار!
الأغرب والمضحك في آنٍ، أن الكوز وزير المالية والكوز مدير الجمارك سارَا في خدعة توقف الحرب، فأعلن الأخير أنه بناءً على قرار الأول، يعلن إعفاء استيراد الأثاثات المنزلية من الرسوم الجمركية.
إذاً توقفت الحرب وضعت أوزارها بالفعل، وحدثت معجزة انشقت فيها الأرض وابتلعت عشرات الآلاف من قوات الدعم السريع .. إذاً عاد (البرهان) إلى مكتبه وقصره محاطًا بالمصباح وكيزانه وبرقه الخاطف، هذا في حال وجد مكتبًا أو قصرًا! هل فعلاً حدث ذلك؟ .
أن يصدر قرار حكومي رسمي ليوحي للمواطنين أن الحرب انتهت في الخرطوم، وأن الأوضاع أصبحت مهيأة للعودة، فإن ذلك هو الكذب والتدليس والغش والتزوير والتزييف في قمته، التي لا يبلغها إلا الكيزان والمعاتيه من البشر.
عاقل جداً هذا الكوز والي الجزيرة هذا، كان مقيمًا في سنار طوال سيطرة قوات الدعم السريع على أجزاء واسعة من ولايته، ولم يعود إلى مدني حتى هذه اللحظة، رغم انسحاب الدعم السريع من مدني قبل نحو شهر من الآن، وقد قرر أمس مغادرة سنار والاستقرار في المناقل لكي يقترب جغرافيًّا من عاصمة ولايته غير الصالحة للسكن في الوقت الحالي، فلا أمن، ولا كهرباء، ولا ماء، ولا خدمات شرطية، ولا مدارس، ولا مستشفيات، ولا ضمان بانتهاء الحرب، كما لا تزال بقايا وروائح الجثث المتغضنة والمتعفنة والمتحللة أجاركم الله وأكرمكم تزكم الأنوف وتقبض القلب، لم يعد في الولاية ثمة شيء يعمل في الولاية سوى (سكين البراء). لذلك، لم يعد والي الجزيرة الهمام ، وما زال بعيداً مع طقم جلوسه وثلاجته وبوتجازه.
اما بالنسبة لقرار المدير العام للجمارك، رغم أن الهدف منه سياسيٌّ في المقام الأول، حيث تحاول الرجرجة الإعلامية الهائجة، التي تدير الدعاية الحربية للجيش، أن توعز للسودانيين اللاجئين في مصر على وجه الخصوص بأن الأوضاع في الخرطوم باتت آمنة، وأنه لم يتبقَّ سوى أن يحملوا أثاثاتهم المعفاة من الجمارك، ويمتطوا متون البصات المجانية (الكاذبة)، ويتوجهوا مباشرة إلى الخرطوم وبحري وأم درمان، وهم يغنون مع “محمد جبارة” فنان الطنبور الأشهر: “رصّوا الهديمات، عدّلوا، ركبوا اللواري وقبّلوا”.
أيها الناس، الحرب لم تنتهِ بعد في الخرطوم، ورأيتم بأمهات أعينكم، ولم يقصص عليكم ذلك المتخفي أو هذا الصحفي الهلامي الضخم، الذي يشغل حيّزًا جغرافيًّا يسع لعشرة أشخاص، لكن عقله لا يعادل عقل طفل! رأيتم كيف يتم تدوين أم درمان ليل نهار، ورأيتم القصف المتبادل والمعارك لا تزال جارية ولم تتوقف. هؤلاء يريدون أن يأتوا بكم إلى الجحيم، يتاجرون في معاناتكم بمصر و(حنينكم) وعاطفتكم الجيّاشة، حتى إن عدتم، لم تجدوا غير الحرب والسراب وتحليق ” البيرقدار” التركي فوق رؤوسكم، والحرب كما تعلمون كرٌّ وفرٌّ وربما ستجدون أنفسكم في خوضها بأيدٍ فارغة. جميع هؤلاء المسلحين سيهربون ويتركونكم خلفهم. ألم يفعلوا ذلك مع بداية الحرب؟ ألم تختفِ الشرطة ويتحصن الجيش والمليشيات الكيزانية الإرهابية في القيادة العامة والمهندسين وكرري والمدرعات والإشارة وغيرها؟ ألم يتركوكم تواجهون مصيركم وحيدين؟ فما المانع وما الضمان أن يفعلوا ذلك مرة أخرى إذا انقلبت الأحوال ودار الزمان دورته وهو قريب وأكيد؟
إن اختزال العودة في إعفاءات جمركية على الأثاثات المنزلية إنما هو العبث بعينه، فمعظم اللاجئين في مصر ينامون على (البلاط)، ويستخدمون القليل من الأواني المنزلية، التي يمكنهم تركها في الشارع دون أن يأخذها أحد. فلماذا يقفز هؤلاء الأوباش على الحقائق؟ فالحرب لم تنتهِ بعد في الخرطوم، وحتى إن انتهت افتراضًا، فهل سيجد العائدون الحدّ الأدنى من الخدمات (شوية أمن وعلاج وحبة كهرباء وموية)؟ وهل رُفعت الجثث المتحللة من الشوارع؟ هل عادت الشرطة إلى العمل؟ هل اختفت المظاهر المسلحة من الشوارع؟ ماذا عن الكلاب التي أصبحت تتغذى على لحوم البشر؟ وهل تم نزع الألغام؟ والأهم، هل أعلنت قوات الدعم السريع هزيمتها واستسلامها؟ ما لكم، كيف تكذبون؟ . في تقديري الشخصي، الآن قد بدأت الحرب في شكلها الأكثر خطورة ودموية، فلماذا تريدون أن تجعلوا من اللاجئين دروعًا بشرية لكم تقيكم شر قادمات الأيام الكالحات؟ أما شجاعة الساعة 25 هذه، فقد خبرنا أمرها في الأيام الأولى، عندما ضاقت ظاهر الأرض ولم يتبقَّ ثمة متسع عليها سوّى للرجال الرجال، وكان الهروب إلى باطنها حيث (البدروم) والوحشة والخوف!
اللعنة عليهم، إنهم يقودونكم إلى حتفكم، كما فعلوا من قبل، فهؤلاء الكيزان لا أخلاق ولا ضمير لهم، إنهم سِفلة البشر ونفايات الإنسانية، فلا تتبعوهم حتى لا تضلوا الطريق.
ولو أن الحروب تنتهي بتوفر طقم جلوس وثلاجة وبوتاجاز ، لأصبحت إسرائيل البلد الأكثر أمانًا في هذا الكون، فهي، رغم امتلاكها لنظام (القبة الحديدية) الذي يلتقط كل شاردة وواردة في السماء، ظلت تُمطَر عليها حممٌ من لهب، ولا يزال شعبها يعيش قلق صفارات الإنذار لينزل في مخابئ باطن الأرض. فهل يكفي بدروم البرهان لكل أهل السودان؟ وهل أخذكم معه في هروبه الأول حتى يأخذكم معه الآن؟ وأين ستضعون: غرفة الجلوس والثلاجة والبوتاجاز؟
المصدر: صحيفة الراكوبة