الغلاء يثقل كاهل المغاربة.. هل حان الوقت لتدخل حكومي حاسم لتسقيف الأسعار؟
يشهد السوق المغربي في الآونة الأخيرة ارتفاعا كبيرا في أثمنة العديد من المواد الغذائية الأساسية، وعلى رأسها اللحوم الحمراء والدواجن وزيت الزيتون، بالإضافة إلى ارتفاع أنواع عديد من الأسماء التي أضحت رفاهية بعيدة عن متناول الكثير من المواطنين، ورغم محاولات السوق التصحيحية من خلال انخفاضات طفيفة في الأسعار بين الفينة والأخرى، فإنها لا تزال بعيدة عن التوازن مع القدرة الشرائية للمواطنين، مما يجعل العيش بأسعار معقولة أمر يصعب تحقيقه.
الارتفاعات المتتالية تأتي في وقت تبذل فيه الحكومة جهودا عديدة لمواجهة هذه المعضلة، بما في ذلك إعفاء بعض المواد المستوردة من الرسوم الجمركية ودعم مجموعة من المنتجات الأساسية، وهو ما يجعل التساؤل قائما حول فعالية هذه التدابير في الحد من الارتفاعات المستمرة للأسعار، وبالتالي فهل حان الوقت لتدخل حكومي حاسم لتسقيف أثمنة المواد الأساسية، خاصة مع استمرار معاناة الطبقات المتوسطة والفقيرة التي باتت غير قادرة على مجاراة هذا التضخم؟
رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، بوعزة الخراطي، أكد أن الأسواق تشهد ارتفاعا ملحوظا في الأسعار، رغم توفر جميع المواد الاستهلاكية وعدم وجود أي ندرة، مشيرا إلى أن الإشكال الحقيقي يكمن في تركيبة الأسعار، حيث يستغل بعض الوسطاء الوضع لتحقيق أرباح سريعة، فيما يعرف بتجار الأزمات.
تسقيف الأسعار
وأوضح الخراطي في تصريح لـ “العمق” أن المغرب يعتمد على قوانين منظمة للأسعار، وعلى رأسها قانون الأسعار والمنافسة، الذي يجعل جميع الأسعار حرة، باستثناء المواد المدعمة التي تقتصر على ثلاث مواد أساسية، إضافة إلى المواد المقننة المدرجة ضمن اللوائح المنصوص عليها في القانون 12104 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، مشيرا إلى أن هذا القانون يمنح الحكومة صلاحية تسقيف أسعار بعض المواد التي تشهد ارتفاعا مفرطا، لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة.
وفي سياق متصل، نبه الخراطي إلى أن أسعار اللحوم والأسماك، خصوصا السردين، بلغت مستويات غير متناسبة مع القدرة الشرائية للمستهلك، في ظل ظرفية استثنائية تمر بها المملكة بسبب الجفاف، معتبرا أن هذا الموضع يستوجب تدخلا من قبل الحكومة عبر استشارة مجلس المنافسة بشأن هذه الارتفاعات، واتخاذ إجراءات عاجلة لتسقيف أسعار اللحوم الحمراء والدواجن لمدة ستة أشهر، مع إمكانية التمديد إذا اقتضت الحاجة.
وأكد رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك أن الوقت قد حان لتثبت الحكومة أنها حكومة اجتماعية تضع مصلحة المواطن فوق أي اعتبار، عوض حماية الوسطاء الذين لا يؤدون الضرائب ويستفيدون من ارتفاع الأسعار على حساب كل من المنتج والمستهلك.
وضع متأزم
هذا، وقد عملت الحكومة على خلال الفترة الماضية على إعفاء مجموعة من المواد الأساسية من الرسوم الجمركية، وعلى رأسها اللحوم الحمراء المستوردة، بالإضافة إلى زيت الزيتون، ناهيك عن بعض الأصناف من الحبوب كالأرز، وعلى الرغم من ذلك إلى أن أسعار السوق لازلت مرتفعة.
الوضع المتأزم كشفت عنه المندوبية السامية للتخطيط في مذكرتها الأخيرة حول الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأسر، والتي أظهرت تدهورا ملحوظا في مستوى معيشة المغاربة، حيث أفادت 81% من الأسر بتراجع وضعها المعيشي خلال الأشهر الـ12 الماضية، بينما اعتبرت 14.2% من الأسر أن وضعها المعيشي قد استقر، و4.8% فقط شهدت تحسنا.
ووفقا للمذكرة الصادرة عن البحث، حافظ مؤشر الوضع المعيشي على مستوى سلبي، حيث بلغ رصيده ناقص 76.2 نقطة، مسجلا بذلك زيادة طفيفة عن الفصل السابق الذي بلغ فيه ناقص 75.8 نقطة، بينما سجل انخفاضا أكبر مقارنة بالفصل ذاته من العام الماضي الذي كان ناقص 83.2 نقطة.
ومن جانبه أوضح المحلل الاقتصادي علي الغنبوري أن أسباب ارتفاع أسعار المواد الأساسية في المغرب متعددة ومعقدة، خاصة وأن الاقتصاد المغربي على المستوى الخارجي، يعتمد بشكل كبير على استيراد المحروقات والمواد الغذائية، مما يجعله عرضة لتقلبات الأسواق الدولية.
سنوات عجاف
وأضاف المتحدث أن الصراعات الجيوسياسية وعدم الاستقرار الاقتصادي العالمي ساهما في ارتفاع تكلفة الاستيراد، بالإضافة إلى ذلك، فإن سنوات الجفاف المتتالية أثرت بشكل كبير على الإنتاج الفلاحي المحلي، حيث انخفض المحصول الفلاحي إلى أقل من 30 مليون قنطار، ما دفع المغرب إلى سد الفجوة عبر استيراد الحبوب والمواد الغذائية بأسعار مرتفعة.
أما داخليا، اعتبر الغنبوري أن الاحتكار وضعف المنافسة يلعبان دورا كبيرا في ارتفاع الأسعار، الريع الاقتصادي والفساد في بعض القطاعات، مسجلا أن استيراد رؤوس الأبقار والأغنام، يفاقمان الأزمة، فضلا عن غياب تنظيم فعال لأسواق الجملة التي تعاني من سوء الإدارة والاحتكار.
واعتبر المتحدث في تصريح لـ “العمق” أن التشاؤم العام بين المواطنين مفهوم بالنظر إلى تراكم التضخم، فعندما نسمع عن انخفاض التضخم إلى 1%، فهذا يعني تباطؤ وتيرة ارتفاع الأسعار، وليس انخفاضها، فعمليا الأسعار ما زالت مرتفعة مقارنة بالمستويات السابقة، لأن النسبة الجديدة مبنية على نسبة التضخم الذي بلغ 6.1% العام الماضي.
وأضاف قائلا : “ضعف القدرة الشرائية وزيادة معدلات البطالة يضغطان على الأسر، حيث أظهرت الدراسات أن أكثر من 41% من الأسر لجأت إلى استنزاف مدخراتها أو الاقتراض لتغطية نفقاتها اليومية، وبالتالي فإن كل هذا يخلق شعورا بعدم الأمان المالي وغياب أفق واضح لتحسن الوضع الاقتصادي”.
وجوب تدخل الحكومة
وفي حديثه عن الخطوات الواجب اتخاذها، شدد المحلل الاقتصادي على أن الحلول تحتاج إلى تدخل حكومي شامل ومتكامل، أولا، يجب تحسين الظروف المعيشية للأسر عبر خلق فرص عمل جديدة، ما سيعزز القدرة الشرائية، ثانيا يجب تقديم دعم موجه للقطاعات الحيوية وتقوية السياسات الجبائية لتخفيف العبء المالي على المواطنين.
وختاما أكد الخبير الاقتصادي، علي الغنبوري، على أن تعزيز المنافسة ومحاربة الريع والاحتكار أمر ضروري، فالسوق المغربية بحاجة إلى إصلاح شامل لضمان شفافية الأسعار وتنظيم أسواق الجملة، كما يجب فرض رقابة صارمة على عمليات الاستيراد والتوزيع لمنع أي ممارسات فساد، مسجلا أنه لا يمكن معالجة الأزمة دون إرادة سياسية قوية وخطوات جريئة، تسعى الى تعزيز المنافسة العادلة وضمان الشفافية هما مفتاح إعادة التوازن للسوق واستعادة ثقة المواطنين.
جدير بالذكر أن مذكرة المندوبية السامية للتخطيط حول توقعاتها لمستوى المعيشة خلال الاثني عشر شهرا القادمة أظهرت أن غالبية الأسر تتوقع تدهورا في مستوى المعيشة. حيث صرحت 53.8% من الأسر بأنها تتوقع تدهور مستوى المعيشة ، بينما توقعت 38.5% من الأسر استقراره ، في حين توقعت 7.7% فقط تحسنه.
المصدر: العمق المغربي