حماس والانتصار الزائف أمد للإعلام
أمد/ تُعتبر القضية الفلسطينية من أهم القضايا في العالمين العربي والإسلامي، وهي مرتبطة بتضحيات الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. ومع ذلك، فإن استغلال حركة حماس لهذه القضية لتحقيق أهدافها الخاصة يشكل خطراً كبيراً على الشعب الفلسطيني.
فقد شاهدنا جميعاً كيف احتفلت حماس بإطلاق سراح الدفعة الثانية من الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، وكيف استغلت هذا الحدث لترويج “انتصارها” في الحرب الأخيرة على غزة، في لقطة مثيرة جذبت أنظار العالم لها، فانتشرت عناصرها في مناطق غزة، وهي تشهر الأسلحة وتدعي النصر في الحرب. ورغم أن إطلاق سراح الأسرى هو بالتأكيد أمر إيجابي، إلا أن استخدام هذا الحدث لتصوير حماس كـ “منتصرة” هو أمر مضلل.
وبهذه اللقطة، تحاول حركة “حماس” خلق شعور بالنصر يحيط بالصفقة الأخيرة لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين وتثبيت وقف إطلاق النار، لكن تتناقض هذه الرواية بشكل صارخ مع الواقع المرير في غزة، حيث تستمر الصعوبات والمعاناة التي يعيشها الأهالي على مدار عام وثلاثة أشهر.
وعند النظر إلى الواقع، نجد أن هذا النصر كان على حساب الشعب الفلسطيني الأعزل الذي دفع الثمن الأكبر، فقد قُتل ودُفن ما يقارب من 80 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال والشيوخ، في واحدة من أبشع المجازر التي شهدها القطاع، وقُصفت المباني السكنية والمستشفيات والمدارس، وتحولت غزة إلى ركام، ما أدى إلى تشريد مليوني إنسان يعيشون في ظروف إنسانية كارثية، وبدلا من أن تتخذ حماس موقفاً مسؤولاً يحمي الشعب الفلسطيني، اختبأت قياداتها وعناصرها في أنفاق تحت الأرض، وتركت المدنيين لمواجهة آلة الحرب الإسرائيلية.
وتسعى حماس إلى تصوير الاتفاق على أنه إنجاز كبير، رغم أن الكثيرين في غزة لا يزالون يواجهون تحديات يومية، من مجاعة وإبادة ونقص الغذاء والماء النظيف والرعاية الطبية وأبسط ألوان الحياة، إلا أن حماس تريد أن تظهر للعالم، أن اتفاق وقف إطلاق النار هو ثمرة نجاحها في “طوفان الأقصى”، وأن هذه العملية التي نفذتها وجلبت الخراب على الشعب الفلسطيني وأربكت الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، تحسب لرصيدها السياسي، رغم أنها في الأساس انتصارا وهميا لا وجود له على أرض الواقع، وتشهد على ذلك معاناة الأهالي.
وتدرك الحركة جيدا أن استمرارها في حكم في غزّة قد انتهى، لذلك تحاول اللعب بأي ورقة سياسية على أنها مكسب سياسي من مكاسب عملية طوفان الأقصى، لكننا إذا بحثنا عن وجودها على أرض الواقع ونسب رضا الشعب عن الحركة، لوجدنا حالة من السخط الشعبي عليها لما سببته من كارثة في حق الشعب الفلسطيني، بأن استفزت دولة الاحتلال الإسرائيلي لارتكاب المجازر في حق أهالي غزة وطردهم من بيوتهم وتشريدهم وتجويعهم.. فبأي منطق تحتسب “حماس” كل هذا انتصارا؟!.
ومن الواضح أن الحركة تريد “الشو” وأن تتربع على عرش التريند، بهدف أن توهم العالم بأنها مازالت تمتلك القوة والشعبية من خلال إظهار الآليات وانتشار عناصرها في غزة، وأنها صاحبة الأراض ولها الحق في العودة للسلطة.
ربما يكون ما حدث من “شو حمساوي” في محاولة للانتصار المزعوم الذي يهدف إلى الإشارة للثقل السياسي للحركة، ليس إدعاءا صريحا بالنصر فقط، بل له أهداف أخرى، كتشكيل حصانة للحركة ضد المحاسبة وطنيا فيما سببته للشعب الفلسطيني في واحدة من مآسي التاريخ، كما يؤكد أن تسليح عناصر حماس من قبل بعض الجهات الداعمة لها مثل إيران، لم يتوقف ومازال ممتدا حتى بعد الهدنة.
ورغم كل هذا، مازالت حماس تراهن على الشعب الفلسطيني، لكنها لا تدرك أن أوراق التوت سقطت من عليها، ففي الوقت الذي تبحث فيه عن مكاسب ومكتسبات سياسية بأي شكل كان، قرر أهالي غزة لفظها سياسيا حتى يكون بقائها في السلطة محكوما بالفشل.
ويجب على حماس أن تدرك أن استعراض عضلاتها أمام إسرائيل وأمام العالم بل وأمام الشعب الفلسطيني نفسه، هو نوع من الهزل الذي لا يقبله أحد، وأن مسألة وجودها في غزة انتهت تماما، كما أن دورها في الهدنة وصفقة تبادل الأسرى ليس إلا دورا هامشيا لوقف الحرب التي يدفعها ثمن الشعب الفلسطيني وحده، وقد آن الأوان لأن يدرك الجميع أن الشعب الفلسطيني يستحق قيادة وطنية مسؤولة تعمل من أجله، وليس من أجل مصالح شخصية أو أجندات خارجية.