لماذا لا يتطور خطاب البرلمانيين في العصر الرقمي؟
![](https://alarabstyle.com/wp-content/uploads/2025/02/67a366b6f0150.png)
في عصر تتحكم فيه التكنولوجيا الرقمية في كافة مناحي الحياة، لا يزال الخطاب البرلماني يراوح مكانه، متمسكًا بأساليب تقليدية عفا عليها الزمن.
تطورت وسائل التواصل وأصبحت أكثر سرعة وفعالية، في حين بقي العديد من البرلمانيين أسرى الخطب الرتيبة والكلمات المنمقة التي لا تصل إلى المواطن العادي، خاصة فئة الشباب الذين يشكلون الشريحة الأكبر من مستخدمي الإنترنت.
الشباب اليوم يتعاملون مع المحتوى الرقمي بمنطق السرعة والبساطة والارتباط المباشر بحياتهم اليومية، يريدون رسائل واضحة، مختصرة، وقادرة على إثارة تفكيرهم وتحفزهم على التأمل والتفاعل أو التأثير على مواقفهم.
لماذا لا يتبنى البرلمانيون هذه الوسائل الجديدة في التواصل؟ هل هو خوف من فقدان “هيبة” الخطاب الرسمي؟ أم أنهم ببساطة غير مدركين لقوة هذه المنصات في تشكيل الرأي العام؟ فهل يعود ذلك إلى نقص الوعي الرقمي؟ أم أن هناك أسبابًا أخرى تعوق تطور الخطاب البرلماني في العصر الرقمي؟
جمود سياسي وثقافي
لا تزال العقلية السياسية التقليدية مسيطرة على معظم البرلمانات في العالم العربي، فالعديد من البرلمانيين ينظرون إلى الخطاب السياسي من زاوية كلاسيكية، حيث تقتصر وسائل التأثير على الخطابات الطويلة داخل قبة البرلمان، والعبارات الرنانة، والتصريحات الصحفية المطولة بلغة الخشب المستعينة بأرقام الإنجازات، دون الانتباه إلى أن الجمهور اليوم يبحث عن المعلومة السريعة والواضحة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعيدا عما قد نسميه ” صراعات النعامات “.
يضاف إلى ذلك غياب التجديد في أسلوب الخطاب، حيث يظل محتوى الخطابات البرلمانية مكررًا ومليئًا بالمصطلحات القانونية والاقتصادية المتخصصة التي يصعب على المواطن العادي استيعابها بسهولة، الأمر الذي يعمّق الهوة بين البرلمان والمجتمع، ويجعل الكثيرين يفقدون الاهتمام بما يدور في المؤسسات التشريعية.
ضعف التكيف مع التكنولوجيا الحديثة
التحدي الآخر الذي يواجه البرلمانيين هو عدم قدرتهم على استغلال الأدوات الرقمية الحديثة بالشكل المطلوب، فبينما يعتمد القادة في الدول المتقدمة على الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات لمعرفة توجهات الرأي العام، لا يزال العديد من البرلمانيين في عالمنا العربي يتعاملون مع وسائل التواصل الاجتماعي بأسلوب تقليدي، عبر نشر بيانات رسمية مكتوبة بلغة جافة، دون تفاعل حقيقي مع المواطنين أو عبر تدوينات يراد من تعاليقها “بوركت السيد الرئيس ” و” تدخل متميز ” أو ” كنت عبقريا في طرحك ” ومع أول انتقاد ينتفض في وجه كاتبه عبر سيل من الردود الجاهزة والأتوماتيكية.
في حين ذهب بعض البرلمانيين في المغرب إلى مطالبة الحكومة بمحاصرة مواقع التواصل الاجتماعي، بينما اتجه اخرون إلى نعت المنخرطين في حملة مقاطعة بعض المنتوجات بالمداويخ وآخر وصفهم بالمجهولين والذباب الإلكتروني والفقراء الذين لا يملكون ثمن قارورة ماء معدني، والقائمة طويلة.. يتضح هنا عمق المعضلة في سوء تدبير الخطاب السياسي وضعف التكيف مع التكنولوجيا من خلال إنكار تأثير المجتمع الافتراضي، مما يؤدي إلى ضعف التفاعل مع الجمهور الرقمي، بالتالي فقدان الاتصال الحقيقي مع فئات واسعة من الجمهور، وخاصة الشباب.
في المقابل، فإن بعض البرلمانيين الذين يحاولون التفاعل رقميًا غالبًا ما يقعون في أخطاء كارثية، إما بسبب سوء اختيار الكلمات، أو بسبب غياب استراتيجية واضحة في التعامل مع الجمهور الرقمي، مما يجعلهم عرضة للسخرية والانتقادات الحادة.
الخوف من المحاسبة والشفافية
أحد الأسباب الأخرى التي تجعل بعض البرلمانيين يتجنبون الانخراط الجاد في العالم الرقمي هو أن هذه المنصات تفرض شفافية عالية وتجعلهم تحت مجهر الرأي العام. فبمجرد نشر تصريح معين، يمكن للمتابعين تحليله والتأكد من صحته خلال دقائق، وهو ما يضع السياسيين أمام تحدٍ كبير يتمثل في ضرورة التحلي بالمصداقية والدقة.
وهذا الخوف من المحاسبة جعل العديد من البرلمانيين يفضلون البقاء في دائرة الخطاب التقليدي الذي لا يتجاوز أروقة البرلمان، بدلًا من الانفتاح على منصات التواصل الاجتماعي حيث تكون الردود المباشرة والنقد اللاذع حاضرًا بقوة.
المصالح السياسية والفضاء الرقمي
لا يمكن إغفال الدور الذي تلعبه الأنظمة السياسية في عرقلة تطور الخطاب البرلماني، خوفًا من أن يصبحوا أكثر قربًا من المواطنين، كما أن بعض البرلمانيين أنفسهم يفضلون عدم الانخراط في الحوارات الرقمية، حتى لا يجدوا أنفسهم في مواجهة قضايا حساسة أو مطالب شعبية لا يستطيعون تلبيتها.
قوة الميمز ” تدمير الخطاب السياسي”
الظاهر أن الشباب اتجه اليوم إلى السخرية من الخطابات السياسية عبر اعتماد الميمز والفيديوهات المركبة. حيث أصبحت أداة قوية في تشكيل الخطاب السياسي والتأثير على الرأي العام، لدرجة أن البعض يراها “مدمرة” للخطاب السياسي التقليدي. فالميمز تقوم على تبسيط القضايا المعقدة وتحويلها إلى نكات أو صور ساخرة.
هذا التبسيط يجعلها سهلة الفهم والتداول نظرا لطبيعتها القصيرة والمباشرة، حيث تنتشر الميمز بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يجعلها أداة فعالة لتشكيل الرأي العام بطريقة غير مباشرة. تعتمد الميمز غالبًا على السخرية والعاطفة أكثر من المنطق، ما يجعلها قادرة على تضليل الجمهور أو تشويه الحقائق.
الحقيقة أن البرلماني والسياسي أصبح يرى فيها أداة لمحاربته، والعكس تماما فيمكن للميمز أن تكون أداة مفيدة لإيصال الأفكار بطريقة شبابية مفهومة وسلسة وهذا ما يبحث عنه شباب اليوم ” الخطاب المباشر ” البعيد عن لغة ” العود “.
هل من حلول؟
ربما حان الوقت للبرلمانيين لفهم أن الخطاب السياسي ليس فقط ما يُقال تحت قبة البرلمان، بل أيضًا ما يصل إلى الهواتف الذكية، وما يُناقش في التعليقات، وما يُعاد نشره على منصات التواصل، لأن المواطن العادي، وخاصة الشاب، لم يعد ينتظر بثًا مباشرًا لجلسة برلمانية مملة، بل يبحث عن محتوى يُشعره بأنه جزء من الحوار، لا مجرد مستمع سلبي.
رغم التحديات، لا يزال بإمكان البرلمانيين تطوير خطابهم الرقمي عبر:
- استخدام منصات التواصل الاجتماعي بطرق أكثر فاعلية، من خلال الفيديوهات التوضيحية والرسائل المباشرة للمواطنين.
- التفاعل مع الجمهور الرقمي بشفافية وصدق، بدلًا من الاكتفاء بنشر البيانات الرسمية الجافة.
- الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، مثل التحليل الرقمي لمشاعر المواطنين عبر مواقع التواصل، لتحديد أولويات النقاش داخل البرلمان.
في النهاية، لا يمكن للبرلمانيين تجاهل الواقع الرقمي المتسارع، وإلا سيجدون أنفسهم معزولين عن مجتمعاتهم، في وقت أصبح فيه الرأي العام أكثر وعيًا وتأثيرًا بفضل التكنولوجيا. فإما أن يطور البرلمانيون خطابهم فينجحون في بناء قاعدة انتخابية شبابية تتأسس على التواصل الرقمي المعاصر، أو أن يجدوا أنفسهم مستقبلا خارج العصر والتاريخ، ومعزولين عن قضايا الشباب الحقيقية ويفقدون أهم خزان انتخابي يراهنون عليه.
المصدر: العمق المغربي