اخبار السودان

في شأن الجيوش : من مارك أ. ميلي نتعلم درساً بليغاً

مجتبى سعيد عرمان

د. مجتبي سعيد عرمان

 

بعث لي شقيقي الدكتور عبد الفتاح سعيد بخطاب من الجنرال الأمريكي مارك أ. ميلي بعد إقالته من الخدمة في البيت الأبيض وقد طربت أيما طرب بمضمون الخطاب علي طريقة “وجدتها ، وجدتها!” وهأنذا أقوم بترجمة غير رسمية من اللغة الإنجليزية إلي العربية لأهيمة الأفكار التي حواها خطاب الإقالة لما ينبغي أن يكون عليه شأن الجيوش في عالم اليوم المليء بالاضطرابات والأحداث الجسام التي تنوء بحملها الجبال الراسيات . ليس بالضرورة أن نتفق عليه جملة وتفصيلا ، لإختلاف السياقات ومراعات فروق الوقت ، وظروف النشأة ، والتكوين ولكن الرجل قدم درسا بليغا لما ينبغي أن تكون عليه الجيوش أو كما قالها “كده بالواضح ما بالدس” يجب أن لا تُستخدم المؤسسة العسكرية لبث الخوف في عقول الناس! أو كما قال أحد ضباط القوات المسلحة السودانية الكبار الذي لا أتذكر أسمه ولكن بقي رسمه علي المؤسسة العسكرية أن تُحمي ولا تبدد ، تصون ولا تهدد ، تشد ازر الشعب وترد كيد عدوه. الأمر الذي لا تنطح حول عنزتان في سودان ما بعد الحرب أن لا جود لديمقراطية راسخة إلا بخروج الجيش من الفضاء السياسي ، والأقتصادي تماما ، فالجمع بين الأمارة والتجارة كالجمع بين الأختين وخصوصا بعد غاليات الدماء التي سُكبت ويجب أن لا تمر هذه التجربة الكارثية مرور الكرام إلا علي الذين في قلوبهم أَكِنَّةً ، ويأتي هذا بعد الإنتهاء من حالة التمليش وبناء جيش مهني مهمته حماية الدستور والحدود ، ووقتها يمكن أن نردد مع أولاد شمبات : ” رجال الجيش يا سعاد نفخر بيهم حفظوا حقوق البلاد …. بس قصدهم نعيش سعاد”.

تم إقالة الجنرال مارك أ. ميلي من الجيش الأمريكي من الخدمة في البيت الأبيض. كان ميلي قائدًا عامًا رفيع المستوى في الجيش، وخدم في العديد من العمليات، وكان رئيسًا لهيئة الأركان المشتركة من 30 سبتمبر 2019م إلى 30 سبتمبر 2023م. كان ميلي ينتوي تقديم استقالته في مرات عديدة وأبرزها عندما سحب ترامب ميلي من اجتماع مهم لاستخدامه كمرافق لتجاوز ضباب الغاز المسيل للدموع في العاصمة أثناء احتجاج حتى يتمكن ترامب من التقاط صورة له وهو يحمل الكتاب المقدس أمام كنيسة. لم يتم تسليم هذه الرسالة، حيث حاول الاستمرار في خدمة بلده بأفضل ما في وسعه. أخيرًا، تولى ترامب منصبه للمرة الثانية، وتم عزل هذا الرجل من منصبه إلى جانب العديد من الذين عارضوا ترامب أو صوتوا ضده. دعونا نقرأ مضمون خطابه القيم هذا الذي حوي علي العديد من الدروس التي يحتاجها من يجمعون ما بين السياسية والعسكرية في سودان العجائب:

“لقد دفعتني أحداث الأسبوعين الماضيين إلى البحث بشكل عميق في مكنونات نفسي، ولم يعد بوسعي أن أؤيدك بأمانة وأنفذ أوامرك بصفتك رئيس هيئة الأركان المشتركة. وأعتقد أنك كنت تلحق ضرراً جسيماً لا يمكن إصلاحه ببلدي. وأعتقد أنك بذلت جهوداً متضافرة على مر الزمن لتسييس الجيش الأميركي. وكنت أعتقد أنني أستطيع تغيير ذلك. لكنني أدركت أنني لا أستطيع، وأنني بحاجة إلى التنحي جانباً والسماح لشخص آخر بمحاولة القيام بذلك.

ثانياً : إنكم تستخدمون المؤسسة العسكرية لبث الخوف في عقول الناس ـ ونحن نحاول حماية الشعب الأميركي. ولا أستطيع أن أقف مكتوف الأيدي وأشارك في هذا الهجوم بشكله المنطوق والشفاهي على الشعب الأميركي. لا غرو فالشعب الأميركي يثق في مؤسسته العسكرية ويثق في قدرتنا على حمايته من كل الأعداء، الأجانب والمحليين، وهذا ما سيفعله جيشنا على وجه التحديد، ولن ندير ظهرنا للشعب الأميركي.

ثالثًا : أديت اليمين الدستورية على دستور الولايات المتحدة، والذي تجسد في هذا الدستور الفكرة التي تقول إن جميع الرجال والنساء خلقوا متساوين. كل الرجال والنساء خلقوا متساوين، بغض النظر عن المنبت الإجتماعي ، سواء كنت أبيض أو أسود، آسيويًا أو هنديًا، بغض النظر عن لون بشرتك، بغض النظر عن الإختلافات التي لا يمكن حصرها في مكتوبي هذا. لا يهم إذا كنت كاثوليكيًا أو بروتستانتيًا أو مسلمًا أو يهوديًا أو اخترت غير ذلك لا شيء من هذا يهم. لا يهم من أي أرض أتيت إلي هذا البلد المترامي الأطراف ، أو اسم عائلتك زبدة القول وخلاصته أننا أمريكيون وهذا يكفي! نحن جميعًا أمريكيون. تحت هذه الفسيفساء من الألوان ، الأحمر والأبيض والأزرق الألوان التي قاتل من أجلها والداي في الحرب العالمية الثانية تعني شيئًا ما في جميع أنحاء العالم. من الواضح بالنسبة لي أنك لا تفكر في هذه الألوان بنفس الطريقة التي أفكر بها. من الواضح بالنسبة لي أنك لا تعتز بهذه القيم والقضية التي أخدمها.

أخيرًا، فإن اعتقادي الراسخ بأنك تسعي لتدمير النظام الدولي، وتلحق أضرار جسيمة لبلدنا في الخارج، هذا الأعتقاد دفعت فيه غاليات الدماء من الجيل المؤسس في عام 1945م. ففي الفترة من عام 1914م إلى عام 1945م ، ذُبح 150 مليون شخص أثناء الحرب. لقد ذُبحوا بسبب الطغيان والدكتاتوريات. لقد حارب هذا الجيل، مثل كل جيل، ضد ذلك، وحارب الفاشية، وحارب النازية، وحارب التطرف. من الواضح لي الآن أنك لا تفهم هذا النظام العالمي. أنت لا تفهم ما كانت تدور حوله الحرب. في الواقع، أنت تؤمن بالعديد من المبادئ التي حاربناها فيما مضي . ولا يمكنني أن أكون طرفًا في ذلك. يعتصرني الأسي وأنا أقدم خطاب الاستقالة هذا”.

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *