اخر الاخبار

المسؤولية الجنائية في حوادث المرور

 تعدّ الطرق شريان الحياة، وهي الوسيلة الأساسية التي يتم من خلالها التنقل، لكن سوء استخدام المركبات عبرها يؤدي إلى حدوث المآسي، ومما يجعل طرقنا خطرة ومودية بالحياة هو عدم تطبيق القوانين المنصوص عليها في التشريع الجزائري بشأن عقوبات المرور وعدم الامتثال لشروط السلامة المرورية. والكثير من المتسببين في هذه الحوادث الخطيرة يرتكبون مخالفات مرورية صريحة وفظيعة، وليست مجرد خطأ غير مقصود يقعون فيه، بل يمكن القول بأنها جرائم متعمّدة مع سبق الإصرار والترصد.

تفيد الإحصاءات اليومية ارتفاع معدلات القتلى والإيذاء بأنواعه، جرّاء تهورنا في استخدام المركبات الآلية التي تعدّ من الوسائل الملازمة لحياتنا العصرية، والتي لا يمكن الاستغناء عنها لعدم توفيرنا للبدائل، وفي مقدمتها المواصلات العامة اللائقة والمناسبة، مما يحمّل الجميع قدرا من المسؤولية المجتمعية والأخلاقية، بما في ذلك منفذو القانون الذين يتحمّلون العبء الأكبر عندما يتهاونون فى تطبيق القانون مع منتهكي قوانين السير. إننا في حاجة لوضع ضوابط لما يترتب على تلك الحوادث من ضحايا وجنايات وأضرار بالغة في الأرواح والأموال؛ مما جعله من المسائل التي نادى جميع المهتمين بضرورة تعديل تشريعاتها، وإعادة النظر إليها، وصياغتها بما يحقق الردع العام ويقلل من نسبة الحوادث في طرقاتنا.

ويقصد بالمسؤولية الجنائية في حوادث المرور ذلك الأثر القانوني المترتب عن الجريمة كواقعة قانونية، تقوم على أساس تحمّل الفاعل للجزاء الذي تفرضه القواعد القانونية الجنائية، بسبب خرقه للأحكام التي تقررها قواعد قانون المرور. إن المسؤولية التقصيرية لسائق السيارة الناشئة عن الحوادث المرورية تخضع للأحكام الخاصة للمسؤولية التقصيرية الناشئة عن فعل الأشياء الخطرة، حيث إن السيارة تقتضي بطبيعتها عناية خاصة، لوقاية الغير من أضرارها.

تتميز الجرائم المرورية بأنها جرائم غير عمدية، ومن أهـم صورها القتـل الخطأ، والجرح الخطأ، ويعتبر قانون العقوبات وقانون المرور، إضافة إلى الاتفاقيات الدولية، أهم الدعائم القانونية للمسؤولية الجزائية المترتبة عن هذه الجرائم. فرغم كل الإجراءات المتخذة للقضاء على هذه الظاهرة، إلا أن الطرق مازالت تحصي الآلاف من القتلى والجرحى، لذا، كان لابد أن تتضافر الجهود بشتى الوسائل لإيجاد حلّ فعلي لهذه الظاهرة المأساة.

إن المسؤولية الجنائية تنعقد إذا تحققت أركانها بارتكاب الفعل الموجب للمسؤولية بالخطأ غير العمد، ثم حدوث الضرر من هذا الفعل، ثم العلاقة السببية بين الفعل والضرر الناتج عن الخطأ، وهي الأركان المادية والمعنوية للمسؤولية الجنائية. ولقد تطرق الفقهاء، قديما، في كتبهم لبعض صور حوادث السير حسب المتعارف عندهم، فذكروا الحوادث الناشئة عن الدواب والسفن، ثم تطوّرت الحياة وكان من مفرزاتها مركبات وآلات متنوعة، نتج عنها صور أخرى لحوادث السير، فكان من الضروري بيان أحكام الصور الجديدة لتلك الحوادث.

ولقد قرّر مجلس مجمّع الفقه الإسلامي الدولي أن الحوادث التي تنتج عن تسيير المركبات تطبّق عليها أحكام الجنايات المقرّرة في الشريعة الإسلامية، وإن كانت في الغالب من قبيل الخطأ، والسائق مسؤول عما يحدثه بالغير من أضرار، سواء في البدن أم المال إذا تحققت عناصرها من خطأ وضرر، ولا يعفى من هذه المسؤولية إلا في الحالات الآتية: ‌إذا كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة لا يستطيع دفعها وتعذر عليه الاحتراز منها، وهي كل أمر عارض خارج عن تدخل الإنسان، ‌إذا كان بسبب فعل المتضرّر المؤثر تأثيرا قويا في إحداث النتيجة، ‌إذا كان الحادث بسبب خطأ الغير أو تعديه فيتحمّل ذلك الغير المسؤولية، وما تسببه البهائم من حوادث السير في الطرقات يضمن أربابها الأضرار التي تنجم عن فعلها إن كانوا مقصّرين في ضبطها، والفصل في ذلك إلى القضاء، إذا اشترك السائق والمتضرّر في إحداث الضرر كان على كل واحد منهما تبعة ما تلف من الآخر من نفس أو مال، مع مراعاة أن الأصل المباشر ضامن ولو لم يكن متعديا، وأما المتسبب فلا يضمن إلا إذا كان متعديا أو مفرطا، إذا اجتمع المباشر مع المتسبب كانت المسؤولية على المباشر دون المتسبب إلا إذا كان المتسبب متعديا والمباشر غير متعد، ‌إذا اجتمع سببان مختلفان كل واحد منهما مؤثر في الضرر، فعلى كل واحد من المتسببين المسؤولية بحسب نسبة تأثيره في الضرر، وإذا استويا أو لم تعرف نسبة أثر كل واحد منهما فالتبعة عليهما على السواء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *