بعد مقابلة رئيس الوزراء القطري مع قناة إسرائيلية: من سيطبّع أولا، قطر أم السعودية؟
بعد مقابلة رئيس الوزراء القطري مع قناة إسرائيلية: من سيطبّع أولا، قطر أم السعودية؟
- Author, نسرين حاطوم
- Role, مراسلة بي بي سي نيوز عربي لشؤون الخليج
على الرغم من أن قطر لم تلحق بقطار التطبيع مع إسرائيل كجارتيها الخليجيتين البحرين والإمارات عام 2020، لكنها كانت الأولى خليجياً التي أقامت علاقات تجارية مع إسرائيل.
فكيف بدأت هذه العلاقة؟
قبل العلاقات التجارية، شارك وزير الإعلام القطري آنذاك حمد بن عبد العزيز الكواري في مراسم جنازة رئيس وزراء إسرائيل إسحق رابين الذي اغتيل عام 1995. الكواري لم يكن وحيداً من دول مجلس التعاون الخليجي، إذ مثّل سلطنة عمان وزير الدولة للشؤون الخارجية يوسف بن علوي.
بعد هذه المشاركة القطرية، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز العاصمة القطرية عام 1996.
ومن ثم، تم إنشاء المكتب التجاري بين قطر وإسرائيل بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.
لقاءات المسؤولين في البلدين تكرّرت سواء في الدوحة أو في عواصم أخرى خلال المشاركة في مؤتمرات دولية.
حول هذا الموضوع، قال أستاذ العلاقات الدولية خطّار بو دياب في مقابلة مع بي بي سي إن التطبيع القطري الإسرائيلي ليس مستجداً، لأنه ومنذ اتفاقية أوسلو عام 1993 بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، حصلت زيارات عدة لمسؤولين إسرائيليين إلى الدوحة، وهذا أظهر انفتاحاً قطرياً على إسرائيل، حتى وإن لم يتطوّر إلى تطبيع على غرار الاتفاقيات الإبراهيمية.
لكن المكتب أقفل بعد سنوات قليلة، وذلك بعد اجتماع لقادة الدول الإسلامية الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي التي عقدت اجتماعها في الدوحة عام 2001، وجاء ذلك بمثابة قرارٍ عربي موحّد بعد التصعيد الإسرائيلي على غزة في ذلك الحين.
ووفق حديث سابق لوزير الخارجية القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، فإن من أسباب الإغلاق أيضاً، أن التجارة بين البلدين لم تتجاوز مئتي ألف دولار في السنة.
بيد أن الأمور اتخذت منحى آخر بعد اندلاع الصراع المسلح في سوريا عام 2011. إذ غادر بعض قادة حماس الأراضي السورية، من بينهم خالد مشعل، واتخذوا من الدوحة مقراً لهم.
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه نهاية
هذا المنعطف ساهم في أن تتولى الدبلوماسية القطرية ملفاً جديداً، ملف الوساطة بين إسرائيل وحماس، الذي تبلور في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، من خلال وساطة قطرية أفضت إلى اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والأسرى، الذي دخل حيّز التنفيذ يوم الأحد في التاسع عشر من يناير/كانون الثاني من العام الجاري.
في نظرة سريعة لتسلسل الأحداث، نرى أنه بعد أقل من شهرين على اندلاع أحداث السابع من أكتوبر، كانت ملفتة المصافحة الشهيرة بين الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتسوغ وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على هامش أعمال قمة المناخ في دبي كوب 28، وهي مصافحة وصفها الإعلام الإسرائيلي بالتاريخية.
هذه المصافحة وإن بدت وليدة اللحظة، إلا أن لها مدلولات كبيرة سياسياً. فهي إشارة إلى أن الجانب القطري لا يعتبر الجانب الإسرائيلي “عدواً” وهو مستعد لـ “مدّ اليد” له. كلّ ذلك، ولا ننسى أن جولات المفاوضات التي استضافتها الدوحة شارك فيها مسؤولون إسرائيليون من جهازي الشاباك والموساد، أي أن هذه الزيارات كانت علنية وأمام أعين الجميع.
وقبل أيام، سُجّل لقاء على هامش منتدى دافوس، جمع رئيس مجلس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتسوغ، الذي شكر قطر على دورها في الوساطة، وأكد التزام بلاده بمراحل اتفاق وقف إطلاق النار، بحسب المكتب الإعلامي للرئيس الإسرائيلي.
أما التطوّر الأبرز فتمثّل في المقابلة التي أجراها رئيس وزراء قطر وزير الخارجية مع القناة الثانية عشرة الإسرائيلية، وهي أول مقابلة له في الإعلام الإسرائيلي، لم يستبعد خلالها قيامه بزيارة إلى إسرائيل. ففي تلك المقابلة قال آل ثاني ردًا على سؤال حول ما إذا كان سيزور إسرائيل قريبا: “يعتمد الأمر على الطريقة التي ستسير بها الأمور في المستقبل، لا توجد شروط، نحن نتحدث عن حلول سلمية وسنفعل أي شيء لإحلال السلام في المنطقة”.
واعتبر أستاذ العلاقات الدولية د. خطّار بو دياب، أن ظهور رئيس الوزراء القطري على قناة إسرائيلية هو بمثابة تقديم ورقة حسن نية للجانب الأمريكي. ورأى أن قطر على يقين بأن عهد ترامب هو عهد “عاصف”، معتبراً أن الدوحة قد تكون أمام خيارين، إما “الانحناء” أمام العاصفة، أو القبول بـ “لعبة الانفتاح” في إطار الشرعية العربية، على حدّ وصفه.
وربط بو دياب هذه الأجواء الجديدة، بوصول ترامب إلى البيت الأبيض ورغبته في جذب المملكة العربية السعودية إلى اتفاقية تطبيع مع إسرائيل، ذلك أن ترامب يضع قطر في منافسة مع السعودية على حدّ قوله.
وشرح بو دياب ذلك قائلا: “الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق جو بايدن ألمحت إلى أن العلاقة مع قطر قد تتأثّر في حال لم تنجح في وساطتها بين حماس وإسرائيل، بالرغم من وجود قاعدة العُديد الأمريكية في قطر”.
وأضاف أن هناك دوماً ما وصفه بالمآخذ الأمريكية على قطر بسبب علاقتها بالإسلاميين والدور الإعلامي لقناة الجزيرة.
تتزامن هذه القراءة مع ما قاله مبعوث الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في مقابلة صحفية، حيث تطرّق إلى إمكانية انضمام دول عربية مثل المملكة العربية السعودية إلى تحالف مع إسرائيل، معتبراً أن التطبيع فرصة مذهلة للمنطقة، وأنها في الأساس بداية نهاية الحرب. ولم يستبعد ويتكوف انضمام دول أخرى مثل قطر إلى الاتفاقيات الإبراهيمية إذا قاد السعوديون الطريق، وفق تعبيره.
أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن، د. فوّاز جرجس، اعتبر أن الملف الأهم للسياسة الخارجية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو استكمال عملية التطبيع بين إسرائيل والدول العربية وخاصة السعودية، لأن السعودية بنظر إدارة ترامب، هي الجائزة الكبرى في عملية التطبيع؛ لما تملكه من مكانة دينية وثقافية واقتصادية.
واستبعد جرجس أن تطبّع قطر قبل السعودية، ذلك أن الهدف الاستراتيجي لإدارة ترامب هو تطبيع السعودية مع إسرائيل، ومن ثم يأتي دور قطر.
وقال في هذا الصدد: “التطبيع العربي الإسرائيلي هو جزء لا يتجزأ من مشروع إنشاء تحالف إقليمي ضد إيران”.
وتوقّع جرجس في حديث مع بي بي سي نيوز عربي، أن تشهد الأيام والأسابيع المقبلة تركيزاً أمريكياً جدياً على السعودية للمضي في مسار التطبيع. وتساءل جرجس عما إذا كانت السعودية ستوافق على التطبيع من دون إيجاد مسار جدي لقيام دولة فلسطينية.
أسئلة جرجس نابعة مما قاله مبعوث الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف قبل أيام، من أن وقف إطلاق النار في غزة هو الأهم حالياً، وهذا مؤشر، برأي جرجس، على أن فريق ترامب للسياسة الخارجية يعتقد أن بإمكانه إقناع السعودية بأن وقف إطلاق النار في غزة هو بمثابة “جائزة ترضية” للمملكة من أجل أن توافق على التطبيع مع إسرائيل.
وأضاف أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن، أن هذه الأجواء يتم الترويج لها ضمن فريق دونالد ترامب للسياسة الخارجية، في ظل غياب أي نقاش جدّي عن قيام دولة فلسطينية.
ووصف جرجس ملفات الشرق الأوسط بالملفات الشائكة بالنسبة لإدارة ترامب، فهي إلى جانب سعيها إلى إقناع السعودية بالتطبيع مع إسرائيل، ستعمد إلى إقناع مصر والأردن باستقبال أهالي غزة، كما أنها ستعمل على إعطاء الشرعية لمشروع ضمّ الضفة الغربية.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، وبالعودة إلى السياسة الخارجية القطرية، لا يبدو أن الدوحة بعيدة عن التطبيع الكلي مع إسرائيل، سواء حصل ذلك قبل أو بعد السعودية.
فوفق تصريحات حديثة للمتحدّث باسم الخارجية القطرية د. ماجد الأنصاري، فإن التطبيع يجب أن يجري في ظل حلّ دائم للقضية الفلسطينية، وذلك عبر حلّ الدولتين، كما يحتاج أن يكون قراراً عربياً وجزءاً من حل القضية الفلسطينية.
المصدر: صحيفة الراكوبة