المكي: وسائل التواصل الاجتماعي تتاجر بالعلاقات الإنسانية وباتت عبئا نفسيا وعقليا على الأفراد
في عصرٍ تهيمن عليه التكنولوجيا، وتسيطر فيه وسائل التواصل الاجتماعي على جانبٍ كبيرٍ من حياتنا، بات من الضروري التساؤل عن تأثير هذه الوسائل على صحتنا النفسية وعلى علاقاتنا الاجتماعية، وعما إن كانت هذه المنصات تساهم في تعزيز التواصل وتقوية الروابط الاجتماعية، أم أنها تؤدي إلى العزلة والانطواء، وتضعف قدرتنا على بناء علاقاتٍ حقيقيةٍ ودائمة؟
في هذا السياق، خلص أستاذ الإعلام والتواصل، ومدير كرسي الألكسو للاتصال والأخلاقيات والمعرفة والمجتمع، هشام المكي، إلى أن العلاقات الرقمية باتت تشكّل عبئا نفسيا وعقليا على الأفراد، وهي تهدد بتقويض الروابط الاجتماعية الحقيقية.
وأوضح المكي، أن الصداقات الفيسبوكية، أو العلاقات الاجتماعية الرقمية، هي منهكة لنا عقليا ونفسيا؛ لأنها تتجاوز قدراتنا العقلية والنفسية على إدارتها، وهي مضرّة اجتماعيا، لأنها تضعف الروابط الاجتماعية الحقيقية.
ولفت المتحدث في تصريح، لجريدة “”، إلى أن تكنولوجيا الاتصال، رغم تسهيلها للتواصل وتقوية الروابط العاطفية، إلا أنها رفعت سقف التوقعات في العلاقات، حيث أصبح الأفراد أكثر تطلبا، منغمسين في هوياتٍ افتراضيةٍ تعلي من قيمة التشابه والمشاركة، على حساب الهويات الأصلية كالأسرة والمجتمع.
وأشار إلى أن سهولة البحث عن أشخاصٍ يشبهوننا في الأذواق والهوايات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، جعلت العلاقات الرقمية أكثر إغراء من العلاقات الواقعية التي تتطلب بذل الجهد والمشاركة الفعلية في المناسبات والتعامل مع التزاماتٍ اجتماعيةٍ مختلفة.
وأضاف المكي أن “الصداقات الفيسبوكية” تمثّل مثالا واضحا على هذا التوجّه، حيث تغرينا وعود تكنولوجيا الاتصال بالارتباط بآلاف “الأصدقاء”، مستشهدا بقول زيغمونت باومان: “هل الأسماء والصور، التي يسميها مستخدمو الفيسبوك “أصدقاء” قريبة أم بعيدة؟ إن أحد المستخدمين النشطين المخلصين للفيسبوك يتباهى بأنه تمكن من ضم خمسمائة من الأصدقاء الجدد في يوم واحد، وهذا يفوق ما استطعت أنا أفعله طيلة حياتي منذ أن ولدت في عام 1925″.
وأكّد المكي أن هذه الادعاءات التسويقية تخالف طبيعة العقل البشري وقدراته المحدودة على إدارة العلاقات الاجتماعية، مستندا إلى دراساتٍ علميةٍ تحدّد عدد العلاقات الاجتماعية المستقرة التي يمكن للفرد إقامتها بما يقارب 150 إلى 290 علاقة.
وحذّر المتحدث من أن “الواتساب” يشكّل بدوره مصدرا آخر للإرهاق النفسي، حيث تفرض علينا قواعد استخدامٍ غير واضحةٍ، مشيرا إلى تجربته الشخصية مع مجموعات الواتساب التي تنهكنا للتفاعل معها جميعا وتسبب مصدر إلهاء عن الحياة الواقعية، فضلا عن “تأثير نفسي منهك آخر؛ يتمثل في غياب الحدود الواضحة بين الحياة الشخصية والحياة المهنية؛ لأنه يشجع المديرين وزملاء العمل على التواصل معك في كل وقت وبعد نهاية الدوام أيضا، ومما يجبر عقلك على التفكير في أمور العمل حتى وأنت بين أفراد أسرتك”.
ونبّه إلى أن شركات التطبيقات توظّف خوارزمياتٍ متطورةٍ لاختراق أدمغتنا، بهدف إطالة استخدامنا لتطبيقاتها، مستشهدا بشركة “دوبامين لابز” التي تصمّم شفراتٍ تمكّن التطبيقات من التنبؤ بالوقت المناسب لإرسال تنبيهاتٍ تشعِرنا بالسعادة وتطيل زمن استخدمنا لتطبيقات التواصل الاجتماعي.
وختم المكي بالتأكيد على أن إدارة هذا الكم الهائل من العلاقات الاجتماعية الرقمية يمثّل عبئا نفسيا وعقليا مرهقا، داعيا إلى الانتباه إلى القواعد الاجتماعية الجديدة التي تتشكّل في غفلةٍ منّا، مستشهدا بعتاب خالته المسنة له على عدم رده المباشر على رسائلها الصوتية.
المصدر: العمق المغربي